Sunday 31 July 2011

الغطرة و العقال

دائما ما يقلد الضعيف القوي و المهزوم المنتصر و الفقير الغني . إنها فلسفة القوة و منطق الغلبة. لا يمكن تجاهل مثل هذا المنطق المثبت عمليا عند الحديث عن القيم و كيفية انتشارها. فلا قيمة تنتشر إلا بوسيلة الإبهار المعتمد على ن يروج هذه القيمة و من يعمل على تسويقها.
تماما مثل أي إعلان تجاري، تروج القيمة معتمة على عوامل و أساسيات علم التسويق. فلبيع أي شيء يلزمك أن تقنع المشتري بما تحمله من بضاعة .
خلال هجرات الشوام و المصريين إلى الخليج ، نشأت طبقة تقلد الأقوى و الأغنى. هنا أتكلم عن هؤلاء الذين هاجروا ليعملوا في الخليج فوجدوا أنفسهم أمام أناس أغنى منهم و أقوى منهم . ككل قوي و ككل ضعيف ، سعى بعض هؤلاء إلى التشبه بالقوي و الغني ، فارتدى بعضهم ما يرتديه سكان البلاد ، من غطرة و عقال و حطة (أحيانا ) و ارتدوا أيضا الثوب ليكتمل تشبههم بأهل البلاد.
ليست المشكلة في ملبس أو حتى مشرب، ففي النهاية اللباس هو ناتج عن تراكم حضاري يمتد لمئات السنين . حتى أهل سواحل الخليج أنفسهم استوردوا لباسهم الجديد (الغطرة و العقال و الثوب ) من أهل الداخل .. لم يكن هؤلاء يعرفونه ، لا كل ما كانوا يرتدونه هو الزار الهندي الذي يحيط بالخصر و يمتد حتى القدمين .
المشكلة هي في تلك العقلية التي تحتقر ثم تخضع .
معظم هؤلاء الذين قد تشبهوا بلباس أهل البلاد ، كانوا ينظرون في بلادهم إلى هذا اللباس على أنه علامة على عدم التمدن و حتى التخلف. لكن مرة أخرى ، القوي يغير النظرة إلى الأشياء التي يهواها و يفضلها. القوي هنا هو القوي بماله و قدرته المالية و حتى المعنوية على تغيير النظرة إلى الأشياء . مرة أخرى انه افتتان الضعيف بما يفعله القوي.
في هذه البلاد، ترى هنودا و قد لبسوا لباس أهل البلاد و تطيبوا بما يفضلونه من الطيب و حتى قاموا بتقليد أهل هذه البلاد حتى في طريقة الكلام.
قد يقول القائل بأن ذلك يمكن أن يكون ضربا من التأقلم مع ظروفهم التي يعيشونها.
قد يصح ذلك إن كان هؤلاء يعيشون كأقليات في هذه البلاد . لكنهم في الحقيقة يعيشون بعيدا كل البعد عن منطق الأقليات . فهم السائدون في الوظائف و الشوارع و في مناحي الحياة المختلفة.
الحطة و العقال علامة على القدرة على جعل الحياة، حياة الشخص العادي، تتأقلم مع حياة من يفوقه مالا و سلطة و قدرة.
Share:

Friday 29 July 2011

و بدأت حرب التصفيات

كان متوقعا حدوث اغتيالات في صفوف المتمردين الليبيين . فهؤلاء في معظمهم انشقوا عن القذافي و تمردوا عليه و شكلوا مجلس بنغازي الانتقالي منحازين الى الولاء المناطقي على حساب الولاء الوطني . فمعظم من يشكلون اليوم في ليبيا المجلس الانتقالي ينحدرون من الشرق الليبي المتمرد تاريخيا على القذافي . لكن هذه القيادات انخرطت مع القذافي في الحكم طوال اربعين عاما ، استفادت من ميزات السلطة و مكاسبها و تدرجت حتى اصبحت صاحبة قرار و كلمة .
من الصعب جدا ايجاد تفسير لسبب انقلاب الرفاق على القائد .صحيح ان كثيرين من الرفاق قد انقلبوا على القائد في عز قوته ، و صفوا لاحقا من قبل مخابراته ، الا ان هؤلاء ظلوا ملازمين له طوال حكمه ، لم يضيرهم نقل العاصمة من شرق ليبيا الى غربها و " تهميش" هذا الشرق .في المحصلة استفاد هؤلاء ثم انقلبوا .




لا يمكن تفسير موقف هؤلاء الا بفهم ما كان الاخ القائد و أولاده يحضرون لمستقبل ليبيا . انه مرة اخرى مشروع التوريث ، أس كل فساد و دمار في المجتمعات العربية . فقد بدأ رفاق القائد يشعرون بالبساط يسحب من تحت أقدامهم لمصلحة الوريث سيف الاسلام .خلال سنوات دخل سيف الاسلام في صراع مع من كان يسميهم بالحرس القديم . الصحافة العالمية ساهمت في ترويج هذا المصطلح و المقصود فيه بالطبع هم رفاق الاخ القائد .أضحت العملية عملية انتقام ، فما أن لاحت الفرصة حتى طلقوا القائد و عائلته طلاقا بائنا .
خلال الايام الاولى للتمرد ، ساهم الاعلام في تصوير الأمور و كأنها ساعات و تحسم لصالح المتمردين . ترافق ذلك مع الترويج لانشقاقات في جسد النظام الليبي بعضها حقيقي و الأخر مصطنع .التعليق الذي خرجت به من هذه الصورة التي كانت ترسم هي ان ليبيا مقدمة على مسلسل من الاغتيالات . مصدر هذا الاستنتاج هو ان العقيد الليبي لن يدع هؤلاء المنشقين عنه يهنؤون بالسيطرة على السلطة . كنت أتوقع اغتيالات . فالأخ العقيد متمرس في التآمر و لن يترك من خانوه ينفردون بالسلطة . كنت اهيء نفسي لسماع أخبار الاغتيالات بمجرد أن يستولي المتردون على السلطة .
المفاجأة كانت بحدوث هذه الاغتيالات في صفوف المتمردين قبل وصولهم بنغازي و تحديدا في قيادتهم العليا التي تحارب في الميدان .لكن لذلك أيضا و بقليل من التمحيص له ما يبرره .




فالممحص في هوية هؤلاء سيجد أنهم موزعين في الولاء بين الولايات المتحدة و دول أوروبية و أخرى عربية و حتى تنظيم القاعدة و الاخوان المسلمين .انها طبخة بحص لا طعم لها ، لكنها تؤذي المعدة ان تناولها احد ما .




فالمتمردون الليبيين يضمون فرقا ليبرالية أمريكية ممثلة في محمود جبريل صاحب السلطة الحقيقية في المجلس الانتقالي و مسؤول الششؤؤون الخارجية فيه و الذي يجوب عواصم العالم طلبا لدعمها في مواجهة القذافي و محمود شمام الصلف المتعالي .


الأخوان المسلمون أيضا ممثلون في هذا المجلس عبر مصطفى عبد الجليل اضافة الى عناصر من القاعدة مختفية لا تظهر الى العيان لكنها معروفة للغرب بشكل جيد من خلال معرفتهم لأعضاء سابقين في الجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة ،فرع القاعدة في ليبيا ، الناشطين بفاعلية في الملس الوطني الانتقالي.


هذا التناقض الواضح في التركيبة ، تجعل التصفيات أمرا مقبولا للعقل و المنطق. فما يتم الأن هو تقسيم الكعكة و رسم ملامح السياسة الليبية المستقبلية و توجهاتها.


بالطبع يسعى كل فريق الى فرض رؤاه ، و يسعى أيضا الى استخدام كل الاسلحة لفرض هذه الرؤى و التوجهات.


من هنا تبدو عملية اغتيال عبد الفتاح يونس ، منطقية في سلسلة أحداث متتابعة كشفت لنا خلال شهور التناقض الذي يعيش بين أعضاء المجلس الانتقالي الليبي.


فتشوا عن الغموض و كل غموض وراءه تأمر من جانب الرفاق .


مصطفى حميدو

29/07/2011
Share:

Sunday 24 July 2011

العرعرة

انه مصطلح سيخلد في التاريخ السوري كمصطلح مرادف للتشنج و العته و التطرف. فأن يجلس شيخ في استوديو و ينظر على المتظارهين ، تارة يدلهم على طريقة العصيان المدني و تاراة يوجههم نحو أبناء جلدتهم من الطوائف الأخرى لقتلهم و ترويعهم فانه العته بعينه.
في بداية الحراك السوري الذي خطف لاحقا من قبل أتباع العرعور ، سمعت بهذا الشيخ المسكين الذي من فرط عقده الشخصية و تاريخه الذي يبدو أنه يقض مضجعه كل ليلة، تشفق عليه و على حاله .
تعرفت الى مأثره العظيمة من قبل من يجلسون أمامه كل ليلة ليتلقوا أخر تنظيراته و أرائه فيما يحصل و ليتفاعلوا مع يديه المتشنجتين و هما توجهان السامعين و تدلهم الى هدفهم التالي.
لم أكن أحمل رأيا مسبقا عما يقول. كنت أكتفي بالسماع دون ابداء الرأي. هذه هي عادتي. لا أثق بالروايات الشفهية التي تقال دون دليل. فمثلا ، روي كثير عن حرس ثوري ايراني يشارك في "قمع" الاحتجاجات و حكي أيضا عن دور لحزب الله في "القمع" أيضا . لم أصدق شيئا مما يقال بسبب عدم وجود دليل.
كل ما قيل كانت روايات شفهية لا تسمن و لا تغني من جوع ، بل انها تشي بمن يحرك جزءا من المتظاهرين و من يقدم لهم الدعم الاعلامي و اللوجستي.
على العموم ، قررت أن أشاهد"فضيلته" علني أفهم ما يريد . انتقلت الى قناة وصال أو صفا (لم أعد أذكر بالضبط) فوجدت مولانا العرعور يحاور زهير الصديق . نعم يحاور زهير الصديق الشاهد الملك الزور في قضية الحريري.
لم أفاجأ، فالخط الذي يسلكه العرعور و مما سمعت من الناس لا يختلف كثيرا عن خط الصديق. فكلاهما شاهدي زور يتلاعبان بالكلام و يستندان تقريبا الى نفس الحائط.
في النهاية هم أدوات استخدم الصديق لهدف مشابه تماما لما يستخدم العرعور من أجله.
الحملة المنسقة التي شارك فيها الصديق بعد العام 2005 مشابهة تماما لحملة مولانا العرعور. الفرق الوحيد هو أن سلاح العرعور هذه المرة أمضى من سلاح الصديق.
فالعرعور يعتمد على الطائفية و التحريض على الناس من غير طائفته في سبيل استنهاض الناس و دفعهم لمواجهة النظام في سورية.
لا يمكن أن نفسر تقاطع الاثنين في سلوكهما الا بأن الأمر يتجاوز الشيء الأني المتعلق بالحقوق و الديمقراطية. فأيديمقراطية تلك التي ستأتي مع متشنج ، اقصائي لا يتقن غير اللعب على الغرائز .
العرعور أداة لمن هو خلفه . هو أداة يظن من يستخدمه أنه ماهر في استخدامها. ما فاته هو أن الخطاب الطائفي ان تجاوز نقطة معينة يرتد الى صاحبه .
















مصطفى حميدو









24/07/2011
Share:

Friday 22 July 2011

مراجعة لموقفي مما يحدث في سورية




في بداية انطلاقة التظاهرات في سورية ، كنت متحمسا تماما .حماسي ذاك كان مستندا الى احتقان حقيقي كان يعيشه المواطن السوري. فخلال خمس سنوات مما يسمى بالاصلاح الاقتصادي و اقتصاد السوق الاجتماعي ، تحولت شرائح كبيرة من السوريين من خانة الطابقة الوسطى الى خانة الفقر الذي لا يرحم . لا يمكن فصل هذا التحول الاقتصادي عن تكلس سياسي منع أي نقد حقيقي لما كانت تقوم به الحكومة السورية من اصلاحات دمرت أكثر مما بنت.



هذا الانسداد الاقتصادي و السياسي كان يشي بأن شيئا ما سيحصل في سورية و سيغير بلا أدنى شك الأوضاع الى أخرى أفضل و أحسن . فالفقر عندما يطغى تصبح كل الاحتمالات ممكنة. تفكير السلطويين و من في حكمهم المستند الى نظرية جوع كلبك يلحقك لا يصلح في هذا الزمن . فالأوضاع لم تعد مشابهة لما كان سائدا من قبل من حيث قدرة الجوع على الاخضاع و التحكم بالناس و العباد . فالانفتاح الاقتصادي و الاعلامي جعل الناس تقارن و تحكم على واقعها من خلال ما تراه من واقع الدول القريبة و البعيدة.





حماسي هذا لم يستمر طويلا ، فالاحتجاجات أخذت منحى كان الأكبر سنا مني يتوقعها.فلا يمكن لمظاهرات و احتجاجات في بلد مثل سورية الا أن تسلك سلوكا عنيفا . أسباب عديدة تدفع لذلك، لعل أبرزها هو التعدد الطائفي في سورية و شعور شرائح كبيرة من الأغلبية الطائفية أنهم مغبونون و أن شريحة أخرى تسيطر على كل شيء.





اللجوء للعنف و استهداف الجيش بحملة تحريض سافر في شهر أيار الماضي و الترويج لانشقاقات و تمرد في صفوفه جعلني أعيد كل حساباتي. فالجيش في سورية و مهما كانت تركيبته و ما يروجه المعارضون عن ولائه، يبقى فخر السوريين و يبقى درع الوطن الذي لا يمكن الانقلاب عليه مهما كانت أخطاؤه.





كان الشك قد تسرب الي منذ بدء الاحتجاجات في درعا و ترويج "شهود العيان" عن لبنانيين من حزب الله و ايرانيين من الحرس الثوري يشاركون في قمع المظاهرات. لم أقتنع بما حكي ، و بدأت أتلمس الاجندات الخارجية لمن على الأقل يتكلمون على أساس أنهم شهود عيان.





بعد نحو أربعة أشهر من هذا الحرا الشعبي ، بدأت الأمور تتضح أكثر . فجزء كبير ممن يتظاهر هو في الحقيقة أضحى أداة في يد من يحركه خارج البلاد سواء أكان ذلك برضاه أم بغيره.أصبح المشروع هو اسقاط الدولة و هيبتها و قدرتها و مقدرات بنيت على مدى عقود.










مصطفى حميدو





22/7/2011





Share:

Tuesday 19 July 2011

ولو بتشكو فينا؟؟

ولو بتشكو فينا ؟؟؟

حتى الأن لم يخرج أحد من المعارضين السوريين بموقف واضح من المقاومة. هذه المقاومة سواء اللبنانية أو الفلسطينية لا يمكن تجاهلها بالنسبة للسوريين . فمصير سورية مرتبط كليا بما يحصل في فلسطين و لبنان . انها قضية أمن قومي قد لا يدركه متفذلكو المعارضة.
السؤال الكبير الذي يحتاج الى اجابة وا ضحة منهم هو : ما موقفكم؟؟
أعرف أنهم لن يجيبوا ، و سيلفون و يدورون و سيصوغون عبارات خشبية لا تعطي جوابا و لا تشفي غليلا. سبب تأكدي من ذلك هو تاريخهم و ثقافتهم و جهات دعمهم.
تساؤل الفنان الكبير فارس الحلو الذي أرسله لحزب الله و السيد حسن نصر الله "ولو بتشكو فينا ؟ " يحمل الاجابة . نعم نشك فيكم . قد لا أوجه كلامي هذا لفارس الحلو نفسه ، لكني أوجهه للجمع الذي تكلم باسمه فارس الحلو أو لأقل معظم هذا الجمع.
المعارضة السورية الحقيقية و المنظمة هي معارضة الأخوان المسلمين. هؤلاء لديهم أجندة مذهبية مباشرة ضد الشيعة و العلويين. هي ثقافتهم و هي توجهاتهم التي لم يحيدو عنها قيد أنملة منذ أن قرروا المواجهة بدعم عراقي –تركي .. في نهاية سبعينيات القرن الماضي. هذا الخطاب الطائفي ينعكس على موقفهم من المقاومة.
هم يحيدون حماس عن هذه النظرة باعتبارها تشاركهم في نفس الجذر العقائدي، آملين في تدجينها و هذا ما أخذنا نلمسه في الفترة الماضية.

مصطفى حميدو
19/07/2011
Share:

Sunday 17 July 2011

أوروبا العام 1848: العالم العربي العام 2011---أبعد من ثورات أوروبا الشرقية

Horace Vernet-Barricade rue Soufflot


في العام 1848 بدأت الثورات في أوروبا للمطالبة بالديمقراطية و تحطيم قيود الرجعية. تحالفت الأنظمة الرجعية مع بعضها البعض و خاضت حروبا فيما بينها على النفوذ و في سبيل حماية العروش لم تنته الا بالحرب العالمية الأولى و اعادة تشكيل خريطة أورويا بشكل كامل و اسقاط الامبراطوريات الهرمة.
للمصادفة كانت هذه الامبراطوريات هي السد في وجه انتشار الأفكار الديمقراطية في أوروبا وفي سبيل تحقيق الوحدة القومية لدول عديدة .
طوال ما يزيد عن الخمسين عاما دخلت أوربا في حروب متتالية و في استنزاف أرهق الامبراطوريات التقليدية العتيقة و أدى الى انهيارها.
تشبه حالة العالم العربي هذه الحالة كثيرا . البعض شبه الحالة العربية بحالة أوروبا الشرقية في نهاية ثمانينيات القرن العشرين . في ذلك الوقت اجتاحت الثورات أوروبا الشرقية ضد الايديلوجيات الاشتراكية التي عمرت نحو نصف قرن في شرق أوروبا و انتهت صلاحيتها
ما يشهده العالم العربي بعيد تماما عن الثورات ضد الايديلوجيات . فالايدلوجيات قد ماتت منذ زمن طويل و كل الدول التي تدعي تبنيها للاشتراكية مثلا هي بعيدة كل البعد عن الاشتراكية.
ثورة العرب هي ثورة ضد الحكم القديم العتيق المبني على عائلات و اقطاعات و سلالات .
الجمهوريات التي خطفت ، تثور شعوبها ضد من خطفها .، تماما مثلما تم في فرنسا في العام 1848 و بداية الثورة الليبرالية .
و للصدفة البحتة (دعكم من الصدف ، لا توجد صدفة في هذا العالم) سمي ذلك العام بعام ربيع الأوطان أو ربيع الشعوب أو بعام الثورات .
بدأت القصة في فرنسا في فبراير /شباط العام 1848 و انتشرت سريعا في انحاء أوروبا . كانت ثورة ضد التقليدية الحاكمة . عوامل كثيرة ساهمت في هذه الثورة التي تأثر فيها نحوا من خمسين بلدا و وصل صداها الى أمريكا الجنوبية.
كانت ثورة ضد الاقطاع و الأنظمة السلطوية الطاغية و ضد التمييز الاجتماعي و في سبيل وطنية حقيقية بعيدة عن تدخل الدول الكبرى و الامبراطوريات القديمة في أوروبا .
في فرنسا بلد المنشأ لهذه الثورات ، تشكلت ما تعرف بالجمهورية الثانية بعد أن انهارت الجمهورية الأولى و تكون الحكم الامبراطوري فيها في أعقاب الثورة الفرنسية.
الصراعات غير المنتهية و تحالف الامبراطوريات القديمة و خصوصا النمساوية و البروسية جعل من دوام التجربة الجمهورية الثانية مستحيلا . لم تمض سوى أربعة أعوام حتى انتهت هذه الجمهورية الثانية و تكونت الامبراطورية الثانية صاحبة السلطة المطلقة.

انهارت هذه الثورات في أرجاء أوروبا كلها.في النمسا صاحبة النصيب الأكبر من التأمر على هذه الثورة ، لم تخرج هذه الثورات الا بنتيجة واحدة و هي الغاء عبودية الأرض . كانت النمسا تحكم سبعة بلدان كاملة تشكل أمبراطوريتها الواسعة الممتدة من مصب الدانوب شرقا الى حدود بروسيا غربا .
نظريا لم تؤد هذه الثورات ما كان مطلوبا منها ، لكنها حفزت الشعوب للمطالبة بحقوقها و الوصول الى وحدة أوطان كانت مقسمة كألمانيا و ايطاليا و انعتاق أوطان من نير التسلط الامبراطوري سواء النمساوي أو الروسي ...
دول كثيرة تشكلت خلال نصف قرن من بداية هذه الثورة . دول كانت تعد مناطق نفوذ ، أحيانا روسية و أحيانا أخرى نمساوية و أحيانا بروسية و أحيانا فرنسية.

كل ثورة لها هدفها و هدفها الأسمى هو التخلص من تسلط سواء أكان تسلطا خارجيا أو تسلطا محليا. مشروع احباط الثورات و القيام بالثورة المضادة هو مشروع له جذوره في التاريخ .
قادت الطبقة الوسطى و طبقة المتعلمين هذه الثورة . هؤلاء هم عادة وقود أي حراك . كانوا كذلك في أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر ، تماما كما هم الأن، يقودون العالم العربي نحو اتجاه جديد و ان طالت رحلتهم هذه . كانوا يطالبون بما يرنو اليه أي عقل متنور متعلم: الحرية و الديمقراطية.
المطلبين الأخيرين هما صنوان لا يفترقان و هما هدف كل الحراك الذي نشاهده الأن. انها قصة أبعد من كونها ثورة على أيديلوجية. انها ثورة العقل الذي يراقب لكنه لا ييأس من الانتظار.

كما دخلت هذه الثورات في دائرة الانهيار بعد عام منها في أوروبا القرن التاسع عشر، الا أن الروح نفسها ظلت موجودة و التطلع نحو الهدف الأساسي ظل أيضا موجودا. عمليا انهارت ، لكن من حاربها ، سقط في النهاية و دخل في دوامة التفكك و تقزم الدور .



مصطفى حميدو

17/07/2011
Share:

Telegram

Podcast