Sunday 30 June 2019

المجلس الدولي لتنسيق المتطلبات التقنية للأدوية البشرية (ICH)


المجلس الدولي لتنسيق المتطلبات التقنية للأدوية البشرية (ICH)



مصطفى حميدو

مقدمة
لا يستطيع أن يعيش العالم دون قوانين تضبط حركته في كل مفصل. فلكل قطاع من قطاعات النشاط العالمي قوانين تضبطه و تجعل من أنشطته انشطة تنتظم ضمن سياق مضبوط. الهدف الرئيسي للأنظمة التي توضع هو خلق إطار جامع يتوافق عليه كل ذوي العلاقة للخروج بمنتج ذا قيمة و جودة. الجودة ترتبط ارتباطا عضويا بالقانون الذي ينظمه. فالفوضى تخفض الجودة بل و تجعلها أمرا غير موجود و القانون و النظام يرفع مستوى الجودة و يرفع الذائقة أيضا. تخيلوا كرة القدم بلا انظمة و لا قوانين تضبطها فما الذي كنا سنشاهده؟  كنا ببساطة سنشاهد الفوضى و الخلاف حول أتفه الجزئيات المتعلقة باللعبة و سنشاهد كل بلد يضع قانونه الخاص باللعبة و ستفقد اللعبة أهم ما يميزها و هي عالمية القانون الذي يحكمها و الذي يخرج لنا ما نره. في كرة القدم تضطلع منظمة الفيفا بهذا الدور. فهي المسؤولة عن وضع قوانين اللعبة و تطويرها و تحسين جودتها و نشرها. من دون قوانين الفيفا كانت اللعبة ستصبح بلا اطار يضبطها و ستتخذ كل دولة القانون الذي تراه مناسبا لها و ستصبح اللعبة بعد سنوات قليلة شيئا مختلفا تماما عما نشاهده اليوم. إن مثال الكرة و الفيفا هو مثال يسري تقريبا على كل القطاعات في العالم. فلكل قطاع هيئة أو مجلس أو منظمة تضع الأسس التي تقوننه و تطوره و ترفع من جودته.

تمهيد
تعد صناعة الدواء من الصناعات الكبيرة في العالم  ذات العائدات الكبيرة جدا و  تعتبر عمليات تطوير الدواء من العمليات المكلفة و المعقدة جدا و التي تعتبر عمليا عملية مخاطرة غير مضمونة النتائج. فتطوير أي دواء يكلف قرابة من 2 مليار الى 10 مليار دولار و يحتاج إلى مدة زمنية قد تقارب العشر سنوات. إن الأسس التي تعتمد عليها عملية تطوير الدواء هي أسس علمية معقدة و مكلفة و أي خطأ او سوء تقدير سيشكل عمليا كارثة للمطور و للمسوق و على المالك لحوق التسويق. لا يمكن لصناعة كهذه الصناعة المعقدة أن تكون بلا أسس و معايير خاصة بها تضبط جودة المنتج النهائي و تضبط أمانه و فعاليته. فغاية الصناعة الدوائية هو تقديم دواء فعال و اّمن و ذا جودة عالية. و للوصول إلى هذه النتيجة تتبع الهيئات العالمية المختصة بالدواء قواعد معينة تضبط هذه العملية. ففي الولايات المتحدة هناك هيئة الغذاء و الدواء الاميركية و مثل هذه الهيئة تتواجد في كل االدول التي تطور الأدوية من كندا إلى الاتحاد الأوربي إلى اليابان و استراليا. كانت المشكلة دوما هي في التنسيق بين هذه الهيئلات. فكل هيئة من هذه الهيئات لها الأسس العلمية الخاصة بها التي تفرض على مطوري الدواء تطبيقها. عملية تعدد الهيئات و تعدد اشتراطاتها و طلباتها يجعل من الدواء منتجا مكلفا. فالطلبات و تعقيداتها تجبر مطوري الدواء على سلوك طرق متعددة للوصول إلى منتج واحد يناسب كل الأسواق. هذه الطرق و الالتزام بها يجعل من الدواء منتجا مكلفا للغاية أولا و معقدا في تطويره و تسويقه.
من هنا نشأت فكرة التنسيق بين الهيئات العلمية العالمية لوضع أسس موحدة لعملىة تطوير الدواء و ضبط جودته و فعاليته و أمانه و من هنا أيضا بدأت الخطوات لتأسيس كيان يضم هذه الكيانات العلمية العالمية.


الإنشاء
كانت أوروبا سباقة في إنشاء هيئة تنظم عملية تطوير و تصنيع الدواء و هي الهيئة الأوروبية للدواء. كان إنشاء الإتحاد الأوروبي خطوة نحو توحيد الأطر التنظيمية للصناعات الدوائية في أوروبا. و بإنشاء اهيئة الدواء الأوربي أضحت مسألة إنشاء هيئة دولية تعنى بوضع  الأطر التنظيمية للدواء مسألة مطروحة للنقاش و بقوة خصوصا بين الهيئات العلمية الدوائية الرئيسية في العالم كهيئة الغذاء  الدواء الأميركية و اليابان و هيئة الدواء الأوروبية. في البداية تم إنشاء اتحاد دولي للمصنعين و للهيئات الدوائية الدولية،كان هذا بعد العام 1989. في السنة التالية تم إنشاء ال   ICH في لقاء عقد في بروكسل كمؤتمر دولي لتنسيق المتطلبات التقنية للأدوية البشرية و حضره ممثلي الصناعات و هيئات الغذاء و الدواء العالمية الرئيسية من اوروبا و الولايات المتحدة و اليابان. هدف هذه اللجنة كان أساسا هو تحقيق التنسيق بين المواضيع المختلفة التي لها علاقة بتصنيع الدواء و لها علاقة بجودته و امانه و فعاليته. هذا المؤتمر تحول لاحقا لمجلس دولي لتنسيق المتطلبات التقنية للأدوية البشرية و أضحى  منذ العام 2015مسجلا كمنظمة غيرربحية في سويسرا.
 الأهداف
تتلخص أهداف هذا المجلس في تحقيق التنسيق الكامل بين الدول الأعضاء و المراقبين في تطبيق المتطلبات التقنية اللازمة للصناعات الدوائية و تنسيق عمليات و متطلبات التسجيل و التصنيع و تحقيق حوار فعال بين الأعضاء و الهيئات لدوائية لتحقيق هذا التنسيق. تعد الصحة و المحافظة عليها هدفا أساسيا لهذا المجلس عبر تحقيق التكامل و التنسيق بين المجالس الدوائية المختلفة لتطوير معايير الجودة و السلامة الدوائية المتعلقة بالتصنيع الدوائي و متطلباته التقنية. إن الهدف الأكبر الذي كان أساسا عاملا مهما في إنشاء هذه المجلس هو في تجنب التشعب في متطلبات التسجيل الدوائي عبر عملية تنسيق في المواضيع الهامة و تجنب تفرد كل بلد و هيئتها الخاصة بالدواء بمتطلباتها الخاصة أي إيجاد إطار واحد لعمليات التطوير و التسجيل الدوائي. بشكل عام يمكن القول أن هدف المجلس الدولي للتنسيق هو عمليا تطوير و تحسين و تنسيق كل الجهود التي تسهم في تطوير صناعة دوائية عالمية ذات جودة و امان و فعالية و تبني كل الأساليب العالمية و التقنية للوصول إلى ذلك عبر خلق إطار جامع للهيئات الدوائية الدولية ينسق بينها و يمنع التشعب في الإجراءت التي تتخذها للوصولل إلى هذه الهدف.

الأعضاء و المراقبون
يبلغ عدد أعضاء هذ المجلس 16 عضوا يمثل دولا و مصنعين بالإضافة إلى مراقبين يبلغ عددهم 32 مراقبا بين دول و هيئات إقليمية و متأثرين من هيئات دولية بما يصدر عن هذا المجلس. تعد السعودية و الأردن الدولتين العربيتين الوحيدتين في لائحة المراقبين و قد تم قبولهما أخيرا كمراقبين في الإجتماع الذي عقد في أمستردام بين 1 و 6 يونيو/حزيران من العام الحالي 2019. إن هذا المجلس هو هيئة دولية تختص بالدواء و إقرار الانظمة المتعلقة به و هو كأي منظمة دولية يطمح الجميع ليكونوا أعضاء فيه للتأثير و لتحقيق مصالح الدول الأعضاء.

Share:

Telegram

Podcast