Friday 23 February 2018

الشاوي الذي حصل على جائزة نوبل

عزيز سنجار، العالم المخضرم الذي نال جائزة نوبل للكيمياء عام 2015. يكاد لا يعرف أحد أنه من أصل عربي سوري، بل وشاوي من سكان الجزيرة السورية.

 

في 1946 كانت الأجزاء المقتطعة من شمال سورية تخضع للتتريك المنظم. أغلب المراكز والتجمعات البشرية الكبيرة دخلت تحت سيطرة الحكومة المركزية في أنقرة، بقيت بعض القرى النائية تقاوم، وتعيش ثقافتها العربية السورية منعزلة عن العالم. في قرية من هذه القرى في مدينة ماردين، التي لا تبعد إلا بضعة كيلومترات شمال الحسكة، ولد الطفل عزيز سنجار كسابع أفراد عائلة من ثمانية أطفال، كانت مبتلاة بالفقر المدقع لدرجة أنها تكاد لا تجد شيئاً لتأكله. وكان الوالد عبد الغني يعمل مزارعاً بسيطاً، أما الوالدة مريم فكانت تؤمن بالعلم وتحرص على تدريس أطفالها رغم أنها هي نفسها كانت أمية. كان عزيز لا يعرف إلا اللغة العربية، وتعلم القراءة والكتابة على يد شقيقه كنان الذي يكبره بخمسة أعوام. كان عالمه كله عبارة عن قريته الجبلية النائية. لكن هذا تغير عندما أتى إلى قريتهم أحد الأتاتوركيين الأوائل، ورأى نباهة هذا الطفل الذي يجري حافياً لأنه لا يجد ما ينتعله، فأدخله وشقيقه المدرسة، التي كانت تدار من قبل ما كان يسمى آنذاك أكاديميات القرى، وهي معاهد إعداد معلمين أسسها مصطفى كمال أتاتورك لتعليم أبناء الأرياف النائية. هكذا بدأت أسطورة عالم الكيمياء عزيز، وشقيقه الجنرال كنان سنجار.

 

فيما يأتي من سطور سنلاحظ أن سنجار اندمج في مجتمعه التركي، وأصبح كذلك صاحب فكر أتاتوركي. أصوله العربية لم تعد في قائمة اهتماماته. قد نجد لهذا أعذاراً كثيرة، وخاصة لمن هو في وضعه، إذ ارتقى بفضل الأتاتوركيين من طفل كان مقدراً له الاستمرار بالعمل الزراعي مثل أبيه وجده وسلالته إلى عالم مختص بترميم الحمض الريبي النووي DNA، وأول من انتقد هندسة الجينات في العالم. لكن هذا لا يمكن إلا أن يثير أسفنا لأننا لا نعلم كم من عزيز آخر في الجزيرة السورية، أو في غيرها من أراضي بلادنا، كان مقدراً له بقليل من العناية أن يبلغ مصافي العظماء.

 

في سن السابعة مارس عزيز هواية كرة القدم، وحتى أن اتحاد الكرة الوطني استدعاه إلى المنتخب الوطني التركي للأشبال كحارس مرمى. لكنه خشي من التجربة، ورفض. وأكمل مسيرته الأكاديمية بدلاً عن هذا. فدخل كلية الطب في جامعة إسطنبول، وتخرج الأول على الكلية عام 1969، ثم مارس المهنة في قريته سافور لعامين. عن هذه المرحلة يقول إنها كانت الأجمل في حياته، إذ أحبه الناس بسبب أخلاقه العالية، وتطبيبه لهم بالمجان، ونجاحه كذلك في شفائهم. حتى أن العجائز كن يعلقن وصفاته الطبية مثل الحرز في أجيادهن. سافر بعدها إلى تكساس في الويات المتحدة الأمريكية لإكمال دراسته العليا في مجال الكيمياء الحيوية. تقول المعلومات إنه عانى من كثير من الصعوبات المادية والمعنوية هنا، حتى أنه عندما عاد إلى تركيا تلقى علاجاً نفسياً ليشفيه من آثار تلك المرحلة. لكنه عاد من جديد إلى الولايات المتحدة بعد استدعاء ستان روبرت، أول من أوجد طريقة ترميم حمض الـDNA. وهنا أيضاً عانى من الفقر لدرجة أنه كان ينام في المختبر الذي يعمل به، ويستحم بأنبوب إطفاء الحريق. فيما بعد انفتح باب المجد له، إذ حصل على منحة دراسية ليكمل تحصيله العالي. وخلال عمله المحموم توصل إلى أول اكتشاف له، حول أنزيم يدعى Fotoliyaz، مما منحه عضوية الأكاديمية العلمية الأمريكية. الأنزيم المذكور كان هاماً لأجل ترميم الـDNA المتضررة، وباكتشافه بات أول من وضع انتقاداً علمياً لهندسة الجينات. في تلك المرحلة تزوج مع زميلته في العمل غوين، ولكن لم يرزقا بأطفال.

 

حصل عام 1977 على الدكتوراه، وعمل في كلية الطب في جامعة يال حتى عام 1982. وكانت أطروحته حول ترميم الـDNA، وكانت أهمية هذا الاختصاص تنبع من دوره الفاعل في العثور على مرض للسرطان. وتابع أعماله في جامعة نورث كارولاينا. له أكثر من 415 مقالة علمية، وكان من النادرين الذين يمكن أن يستخدموا أكثر من ألف مصدر لمقالة واحدة. وفي رحلة له بالطائرة خطر له خاطر عن تقنية لاستخدام مبدأ الساعة البيولوجية في مجال ترميم الـDNA بهدف العثور على دواء للسرطان. تقنيته هذه فتحت له المجال للحصول على جائزة الكيميائي المميز من جمعية الكيميائيين الأمريكيين. تابع عمله ليسجل ستة اكتشافات باسمه في اختصاص في الكيمياء الحيوية وترميم الـDNA، فحصل على العديد من الجوائز المرموقة، وتوّجها عام 2015 بجائزة نوبل للكيمياء بالتشارك مع الأمريكي بأول مودريك والسويسري توماس ليندهال.

 

فور عودته إلى تركيا زار سنجار ضريح أتاتورك، وقدم ميداليته لتعرض في متحف أتاتورك، وألقى كلمة اعتبر نفسه فيها مديناً له بما حقق من إنجازات أكاديمية. وموَّل ما يسمى بـ "البيت التركي" لاحتضان الطلاب الأتراك الراغبين بالدراسة في أمريكا.

 

قد يراه البعض مخطئاً، وقد يجد آخرون له الأعذار فيما يتعلق بخياراته القومية. ولكن بالأساس هذا يعرض أمامنا أهمية معركة العلم والتعليم في بلادنا البائسة المبتلاة بأحط الأعداء وحتى "الأشقاء".

Share:

Monday 19 February 2018

السيرة السياسية للأكراد في سورية

جهينة نيوز- خاص

تعتبر السيرة السياسية للأكراد السيرة الأكثر تحديثاً في مراكز الدراسات ووكالات الأنباء العالمية، ويعكس هذا التحديث المستمر "الوضع المؤقت المستثمَر دولياً" والذي يعيشه الأكراد منذ القلاقل التي داهمتهم في القرن السابع عشر الميلادي في أراضيهم الأصلية التي تقع كلها في إيران اليوم ما بين طهران وهمدان شرقاً، وزنجان وحلوان غرباً، مما اضطرّ غالبيتهم إلى الهجرة من الهضبة الإيرانية إلى العراق وتركيا وسورية بين أعوام 1508-1623م هرباً من الصفويين...ثم حدثت هجرات أخرى للأكراد بين البلدان المذكورة نفسها في القرن العشرين، مما وضعهم ضمن أجواء سياسية متأرجحة أصلاً في المنطقة التي كانت تعاني من الاستعمار العثماني، ثم من ويلات الحرب العالمية الأولى والاستعمار الأوروبي –البريطاني والفرنسي- في القرن العشرين، فشهدت البلدان المذكورة مزيجاً من العناصر الكردية اللاجئة على مراحل ضمن ظروف دولية معقدة لدرجة أنه يصعب حتى الآن على مراكز الدراسات أن تحصي عدد الأكراد في العالم، فتذكر أحدث الإحصائيات عدداً تقريبياً لهم يتراوح بين 25 و35 مليون نسمة! تجمعهم حالة اللجوء إلى البلدان، وتفرّقهم الأهواء والأحزاب والاتجاهات والميول والاستثمارات السياسية المؤقتة...

آخر التعاريف السياسية المحدّثة للأكراد

أما آخر تعاريف الأكراد السياسية "المحدَّثة" فهو ما يصول ويجول في وكالات الأنباء العالمية ومقدمات الحديث عنهم في مراكز الدراسات الغربية، وهو أنهم "يشكّلون عنصراً أساسياً في الحرب ضد التنظيمات الجهادية في سورية والعراق"...!...وهذا التعريف كما نلاحظ يلخّص الاستثمار السياسي من قبل بعض الدول الغربية لموضوع الأكراد بما يتناسب ومشاريع هذه الدول في المنطقة، ودون أن نخوض في التفاصيل، فنحن ندرك أن حجة الإرهاب والتنظيمات الجهادية في المنطقة تضخّمت كثيراً بعد سقوط برجيْ التجارة العالمية في نيويورك بالولايات المتحدة عام 2001، وذلك لتشكّل تلك الحجّة مسمار جحا للتدخل في المنطقة وتنفيذ السياسات المنتمية إلى المشروع الصهيوني العالمي، ومنها مؤخراً مشروع كيان كردي منفصل في سورية تصاعد مؤخراً الحديث عنه والتحذير منه جدّياً من قبل وزارة الخارجية الروسية رغم وضوح معالمه منذ سنوات تلت انطلاق الأحداث في سورية...وإذا عدنا إلى تعاريف سياسية للأكراد سابقة لأزمات ما سُمي بـ"الربيع العربي، نجد أنها كانت تتناسب وسياسات الغرب ورغباته في المنطقة حسب الأحداث الجارية فيها، فمرةً يعرّفونهم بأنهم المناضلون من أجل الحصول على جنسية أو هوية أو حقوق إنسان في البلدان المضيفة، ومرة يعرّفونهم بأنهم ضحايا الديكتاتوريات والحروب والنزاعات في "الشرق الأوسط"، وقد تطورت تلك التعاريف كثيراً بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت عام 1991، وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فأضحى بعض الأكراد أولئك الساعين للحصول على الحكم الذاتي في البلدان التي تستضيفهم، وقد تم تفعيل هذا التعريف في العراق أولاً، وتجري –كما رأينا- محاولة تفعيله وتطويره منذ سنوات في الشمال والشمال الشرقي السوري بدعم أميركي وغربي وصهيوني، وذلك ليحصل أكراد سورية على دولة منفصلة عن الدولة السورية.

هل الأكراد السوريون "شعب كردي" و"قومية" خاصة في سورية؟

بالتأكيد لا صحة لمصطلح "الشعب الكردي" في سورية، لأن الأكراد السوريين مواطنون يدخلون في تعداد "الشعب السوري" المكوِّن للدولة السورية...وكحال العديد من الدول قديماً وحديثاً، فسورية دولة ينتمي إليها مواطنون بعضهم لا يتمتع بالأصل السوري، إلا أن القانون منحهم الجنسية والهوية السورية بحكم الإقامة الدائمة المبررة والخضوع للقوانين، ثم اندماج هؤلاء في البيئة السورية ليحققوا معادلة "انثروبولوجية" وهي أن الإنسان يصبح ابن البيئة التي يعيش فيها، وتحديداً، بدءاً من الذي يولد في تلك البيئة...ويبقى موضوع تعدد المشارب والأصول التاريخية أمراً ثانوياً في تحديد الصفة المواطنية لمكونات الدولة من شعبها، وفيما يخص المواطنين الأكراد السوريين، فالبحث عن أصولهم التاريخية يبدأ خارج الأراضي السورية باعتبارهم وافدين إليها من بلد أو بلدان أخرى، بالإضافة إلى أنه لا روابط قديمة للأكراد السوريين مع الأرض السورية وذلك استناداً إلى كل المكتشفات الأثرية والكتابية اللغوية في سورية، أما انعدام تلك الروابط فينفي تماماً كون الأكراد السوريين "قومية" خاصة ضمن سورية، فشروط القومية لا تتحقق إلا باستمرار شعب ما في أرضه منذ أقدم العصور محافظاً على لغة قومية مستمرة ومتفوقة من حيث الجذور والانتشار، وهنا فالعودة إلى اللغة الأم في سورية تؤكد أنها العربية المرتبطة بلهجات سورية القديمة من أكادية وإبلائية وكنعانية وآرامية وسريانية، أما اللّهجات الكرديّة والمصنّفة عالمياً باللّغات الإيرانيّة، فتعد أقرب إلى اللّغة الأفغانيّة (البشتو Pashto) التي لا وجود لها في تاريخ سورية اللغوي، وقد عمد بعض مثقفي الأكراد في سورية إلى القيام باستعارات كثيرة من اللهجات السورية الدارجة في بعض المناطق –كالسريانية-وغيرها في الجزيرة السورية والشمال السوري ومحاولة نسب هذه الاستعارات إلى "الكردية" الأصلية، وهنا تشير دراسة أسماء المدن والقرى الرئيسية التي يقطنها أكراد وافدون إلى سورية إلى أنه لا يوجد أي أصل كردي لغوي لها حسب الأمثلة التالية:

عامودا: (وهي تابعة لمحافظة الحسكة وتبعد عنها 80 كم إلى الشمال)، واسمها عربيٌّ آرامي يعني العامود، حيث الألف الأخيرة هي أداة التعريف الآرامية مثل الحارسة = حرستا، القرحة = قرحتا.

قامشلي: اسم عربي طبيعي، فـ[قمش] تعني [جمع]. أمّا اللاحقة [لي] فهي ليست تركية كما يدّعي البعض بل هي عربية ظنّ بعض الأكراد أنّ قلب الياء إلى واو في قامشلي = قامشلو، تصبح كردية، لكنّ هذه اللاحقة (الواو) هي آشورية- سريانية تأثّر بها الأكراد حين استقبلهم السريان السوريون.

ديريك (المالكية): اسم بلدة في شمال شرق سورية، يستخدم الأكراد اسمها –أي ديريك- على انه كردي علماً أنه سوري قديم، فهو تصغير لـ(درك)، وهي كلمة وردت في النقوش الكنعانية وتعني: الأرض المنخفضة (الدرك الأسفل) و"ديريك" تقع على جرف (درك سفلي) إلى نهر دجلة.

ومع اسم ديريك نجد أسماء: دريكيش، ودركوش، وهو اسمٌ عربيٌّ عموري/كنعاني.

عين عرب: كلمة عين موجودة في كافة اللهجات العربيات من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية. والعين من فعل (عان)، وسميت عين الماء عيناً لأنّها تعين الإنسان على الحياة، أمّا كلمة عرب فهي تعني بالآرامية ماء وكل ما يخص الماء وفي العربية نجد: بئرٌ عروب = بئرٌ كثيرٌ ماؤه، وادي عربة = وادي الماء، إمرأة عروب = متودّدة لزوجها كالماء الصافي، أمّا في الآرامية –والعربية-: فالعرّاب هو المسؤول عن تعميد الطفل في الماء، وفي الأوغاريتية: فقد سمّي الإله حدد: إله البرق والرعد والأمطار بـ "راكب عربة" أي راكب الغيمة التي تحمل الماء. وفي الأكادية عربتو تعني الجو الغائم حامل الماء. والعربي من أقام عند مظانّ المياه. وهناك فرق بين العربي المقيم عند مظانّ المياه المدني، وبين الأعراب الذين يذهبون إلى مظانّ المياه.

إذاَ فكلمة عين عرب تعني عين الماء. وفي لبنان قرية كنعانية تسمّى عرب صاليم أي: ماء الأصنام. وشمال دمشق هناك معربا، فيها ينابيع تكفي لزراعتها.

وقد حوّل البعض اسم مدينة "عين عرب" إلى كوباني، وأصلها أنّ هناك شركة إنكليزية "كومباني" company كانت تعمل هناك لتمديد السكّة الحديدية في القرن الماضي فأطلق بعض الأكراد اسم كوباني اشتقاقاً من كومباني، ودرج هذا الاسم على أنه كردي!

عفرين: في محافظة حلب، اللاّحقة [ين] هي أداة جمع بحالة النّكرة في الآرامية (قنّسرين وتعني قن النسور، جسرين وتعني الجسور...) ومنطقة عفرين ذات غبار إنْ لم تُزرع بالأشجار والخضراوات، فهي صيغة آرامية وعربية (عفر، تعفّر من الغبار، وعلى سبيل المثال فقرية "يعفور" كانت معروفة بالغبار الذي يجتاحها بعمل الدوّامات الهوائية فيها.) وهذا خلاف ما يقال اليوم إنّ عفرين هي بلدة حديثة كردية، بل هي بلدة سورية آرامية، وهناك تل في فلسطين يسمّى تل عفرين أيضاً وهو بجوار قفّين في قضاء نابلس، وهناك عفرون في فلسطين أيضاً، و"تلّعفر" في العراق.

نلاحظ إذاً أنه لا صحة لمصطلح "شعب كردي" أو "قومية كردية" في سورية تسمح للأكراد بالتفكير في الانفصال والاستئثار بجزء كبير من الأراضي التابعة للدولة السورية، وما تسعى إليه الولايات المتحدة لأجل تحقيق ذلك هو إعلان السيطرة العسكرية على منطقة شرق الفرات بالتزامن مع الغزو التركي لعفرين في 20/1/2018، والذي تمخّض في هذه الأيام عن مساعٍ لنقل المقاتلين الأكراد من عفرين إلى منطقة شرق الفرات، مما يؤكد التنسيق الأميركي التركي بخصوص تشكيل دويلة كردية تحت إشراف مباشر من قبل القوات الأميركية في شرق الفرات...ولكن ما هو مصير تلك المساعي؟ وهل تنجح في ظل الظروف الجديدة التي تشهد تطوراً هائلاً في الاستراتيجية القتالية للجيش العربي السوري، وحراكاً مختلفاً عن السنوات السابقة من قبل الحلفاء، ومنهم الروس الذين شرعوا الآن في فضح النوايا الأميركية في سورية بوضوح، بالإضافة إلى ظروف الإخفاق الكردي نفسه والمتمثل في ارتباط مشاريع انفصالهم تاريخياً بمخططات سياسية أجنبية تسير على رمال متحركة، ولن يُكتب لها النجاح.

مراجع:

-محمد أمين زكي، خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور وحتى الآن،(باللغة الكردية) 1931، نقله إلى العربية وعلق عليه محمد علي عوني- 1936.

-زبير سلطان قدوري: "القضية الكردية من الضحاك إلى الملاذ" ط1، دمشق 2005

--محمد بهجت قبيسي: "الأكراد والنبي"،ط1، دمشق 2014

-قبيسي محمد بهجت، "ملامح في فقه اللهجات العربيات من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية"، دمشق، دار شمأل، 1999

Share:

بعد دمار الحرب.. الجامع الأموي في حلب يستعد للعودة إلى الحياة

حلب (سوريا) (رويترز) - بعد أن سكتت أصوات المدافع وبردت فوهات البنادق في حلب السورية علت أصوات المطارق وضجيج آلات البناء التي تعمل على إعادة المدينة لسابق عهدها وترميم أحد أبرز معالمها الدينية والأثرية .. جامع حلب الكبير.

وبصبر وشغف وزهو يعكف جيش صغير من عشرات المهندسين والعمال والحرفيين المهرة على العمل بدأب لترميم الجامع المعروف محليا بالجامع الأموي والذي طالته يد الحرب في سوريا بالخراب، يدفعهم الأمل في إعادة رونقه ليقف مرة أخرى شامخا في المدينة الشهباء.

وفي صحن المسجد ينشغل كل بعمله، فهناك من يوثق الحجارة المتهاوية جراء التدمير والتي تم ترقيمها وتصويرها. وهناك من يضع الصخرة المناسبة في المكان المناسب وفقا لما كان مرسوما عبر التاريخ. وهناك من يقطع الألواح الخشبية إلى قطع صغيرة تمهيدا لدمجها في إطار الأبواب الداخلية والبالغ عددها 12 بابا.

وعلى أحد الجوانب يقف النحات عبد الجبار عزوز مع عماله يضع صخرة ضخمة على طاولة حجرية ويبدأ بقصها بالمنشار الكهربائي تمهيدا لاستخراج أشكال منحوتة هي عبارة عن تيجان حجرية أو ورود أو آيات قرآنية أو مزاريب يتم وضعها على سطح الجامع لتصريف مياه الأمطار.

يقول عزوز الذي غطاه الغبار الأبيض لرويترز بحماس ”أنا فخور أن اسمي سيخلد هنا، أنا أعمل بكل حواسي ولو استطعت لأقمت هنا كي أنهي عملي. هذه الحجارة ستتحدث عنا بعد رحيلنا وستبقى للأجيال“.

ويتوزع المهندسون والنحاتون والعاملون في أماكنهم كل حسب تخصصه في مهمة تبدو شاقة لكنها منظمة تنظيما دقيقا لإعادة الجامع إلى ما كان عليه قبل الحرب وإعلاء صوت مئذنته في حارات المدينة.

وكل هؤلاء يعملون وفق مخططات تم تنظيمها في مكاتب مستحدثة على مدخل الجامع الذي استضاف رافعة عملاقة من دمشق جاءت خصيصا لهذا الغرض كون معظم معدات وآليات المدينة تم نهبها إبان الحرب التي عصفت بالمدينة منذ عام 2012.

ومن بين هؤلاء مهندس الديكور والأستاذ في كلية الهندسة المعمارية في حلب صخر علبي الذي كان أحد المشاركين في عملية ترميم سابقة للجامع في 2005.

وجاءت عملية إعادة إعمار الجامع بهبة من الشيشان وصل منها حوالي سبعة مليارات ليرة سورية (حوالي 16 مليون دولار).

وقال علبي لرويترز إن حجم الدمار يعادل ثلث المسجد تقريبا وأصاب بشكل رئيسي كلا من المنارة والمئذنة وما حولهما إذ أن الأضرار لحقت بالأعمدة والركن وكل ما هو متصل بالأسواق.

وقال علبي ”كليا كليا متل مانك شايفة ركام ركام... هذا الركام موجود. يبدو كانت الصاعقة أكبر... القسم الشرقي كان متداخلا مع الأسواق وعملية التعامل معه اليوم سنعود فيها للوثائق من حجم الأحجار يعني مثلا حجرة كبيرة هي للجامع وهي أقدم من أحجار السوق“.

وتبدو تلك العملية طويلة نسبيا فقد بدأت منذ ستة شهور برفع الأنقاض وإزالة أكياس الرمل عن الفتحات حيث يصف المهندسون المشهد في الداخل كمن يتحدث عن ترسانات حربية أما في الخارج فالصورة أسوأ نظرا لحجم الدمار.

وقبل ستة أشهر اتفقت وزارة الأوقاف الشيشانية مع نظيرتها السورية لتمويل إعادة إعمار الجامع حيث بدأت الدراسات لتقييم الأضرار وسبل التنفيذ تحت إشراف المديرية العامة للآثار في سوريا. 

ووضع القيمون على المشروع تصورا أوليا للتكلفة المالية والمدة الزمنية التي ستستغرقها مرحلة إعادة الترميم.

يشرح علبي قائلا ”عندما وضعنا التصور الأولي كانت التكلفة مقبولة مع تغير سعر الليرة إذ بلغت حدود سبعة مليارات ليرة سورية أي التكلفة التي تم دفعها في العام 2006 حين كانت حلب عاصمة الثقافة الإسلامية“.

وفي تصور المهندسين فإن المرحلة الزمنية لإنجاز عملية الترميم هي ثلاث سنوات تقريبا لأن العمل الفني داخل وخارج المسجد سيكون متلازما مع العمل على إعادة إصلاح البنى التحتية ومتناغما ومتشعبا معها لا سيما في الأسواق القديمة.

ويجد المهندسون المعماريون والنحاتون صعوبة في العثور على المقالع التي تتطابق حجارتها مع حجارة الجامع الأموي الكبير إذ يضطرون إلى استيرادها من خارج حلب مما يبطئ وتيرة الإنجاز.

يشير علبي إلى الباب الخشبي الرئيسي للجامع بحسرة قائلا ”هذا الباب عمره نحو 800 سنة... مو موجود. حتى المنبر الرئيسي يللي ما في منو غير قطعتين بالعالم الإسلامي كمان غير موجود، إن شاء الله يكون بعده موجود“.

ويعمل على إعادة الترميم ما بين 100 مهندس ونحات وعامل أنجزوا حتى اليوم عشرة بالمئة من عملية الترميم بعدما أصبحت الأهداف لديهم واضحة.

ويجري العمل اليومي على أساس الكتب التاريخية التي تحتوي على الصور الأصلية حيث يقوم المهندسون بمهمة مقارنة الحجر بالحجر على جهاز الكمبيوتر في عملية بحث دقيقة للوصول إلى الأصل وإتقان التنفيذ.

ويقول علبي إنه بحث على الإنترنت في كل من ألمانيا وإيطاليا عن كيفية معالجة الثقوب واستخراج الرصاص حيث لم يسلم جدار واحد من جدران الجامع من الشظايا والرصاص لذلك قام المهندسون بتقسيم الجدران تبعا لنوع التشوه.

ويقول علبي ”في جدران بدنا نتركها كشاهد على الزمن، في أفكار انو نكسي (نغطي) بعض الجدران بالخشب وبعد سنين بيجي عالم بيشيلو الخشب ويشوفو شو كان صاير“.

ويفوق عمر الجامع الأموي الكبير 1300 عام أما مئذنته فهي أصغر بمئة عام إذ أنها كانت في غير اتجاهها ولم تكن قد اتخذت أبعادها إلى أن انتقلت إلى زاوية أخرى.

وترتفع الأقواس فوق 12 بابا خشبيا من أبواب الجامع ولكل قوس نقش خاص به على شكل حياكة الخيوط.

يقول النجار أحمد خطاب وقد وضع قلما خشبيا فوق أذنه اليمنى إن القوس يحتاج إلى شهر عمل حيث يتم التطابق مع صور تعود إلى نحو 120 عاما بعد أن يتسلم المخططات من المهندس المكلف بالتصميم ويبدأ مع صانعيه بالعمل على أساسها.

ويضيف خطاب ”لدينا التخشيبة الداخلية (القاعدة) هذه يجب أن تكون سميكة وهناك القضبان على وجه التخشيبة. التخشيبة خشب سنديان والقضبان خشب جوز وسنديان. خشب الجوز يعطي اللون الغامق والسنديان بيعطي الفاتح... تتماسك مع بعضها في إطار محكم“. 

وتحتاج هذه المهمة إلى تركيز لنحو عشر ساعات متواصلة في النهار.

ويعتبر الجامع الأموي الكبير في حلب أحد أقدم المساجد في المدينة السورية. ويقع في حي الجلوم في المدينة القديمة من حلب التي أدرجت على قائمة مواقع التراث العالمي عام 1986.

ويشبه الجامع إلى حد كبير في مخططه وطرازه الجامع الأموي الكبير بدمشق وقد تم تشييد المسجد في القرن الثامن الميلادي ودمرت أجزاء كبيرة منه في أبريل نيسان من عام 2013 نتيجة الحرب السورية.

وكان المسجد قد عانى فيما مضى من الحريق والدمار الكبير الذي خلفه المغول حين سيطروا على حلب في عام 1260 بعد عامين من تخريبهم بغداد التي كانت مركز الحضارة الإسلامية حينها.

Share:

Telegram

Podcast