Sunday 17 July 2011

أوروبا العام 1848: العالم العربي العام 2011---أبعد من ثورات أوروبا الشرقية

Horace Vernet-Barricade rue Soufflot


في العام 1848 بدأت الثورات في أوروبا للمطالبة بالديمقراطية و تحطيم قيود الرجعية. تحالفت الأنظمة الرجعية مع بعضها البعض و خاضت حروبا فيما بينها على النفوذ و في سبيل حماية العروش لم تنته الا بالحرب العالمية الأولى و اعادة تشكيل خريطة أورويا بشكل كامل و اسقاط الامبراطوريات الهرمة.
للمصادفة كانت هذه الامبراطوريات هي السد في وجه انتشار الأفكار الديمقراطية في أوروبا وفي سبيل تحقيق الوحدة القومية لدول عديدة .
طوال ما يزيد عن الخمسين عاما دخلت أوربا في حروب متتالية و في استنزاف أرهق الامبراطوريات التقليدية العتيقة و أدى الى انهيارها.
تشبه حالة العالم العربي هذه الحالة كثيرا . البعض شبه الحالة العربية بحالة أوروبا الشرقية في نهاية ثمانينيات القرن العشرين . في ذلك الوقت اجتاحت الثورات أوروبا الشرقية ضد الايديلوجيات الاشتراكية التي عمرت نحو نصف قرن في شرق أوروبا و انتهت صلاحيتها
ما يشهده العالم العربي بعيد تماما عن الثورات ضد الايديلوجيات . فالايدلوجيات قد ماتت منذ زمن طويل و كل الدول التي تدعي تبنيها للاشتراكية مثلا هي بعيدة كل البعد عن الاشتراكية.
ثورة العرب هي ثورة ضد الحكم القديم العتيق المبني على عائلات و اقطاعات و سلالات .
الجمهوريات التي خطفت ، تثور شعوبها ضد من خطفها .، تماما مثلما تم في فرنسا في العام 1848 و بداية الثورة الليبرالية .
و للصدفة البحتة (دعكم من الصدف ، لا توجد صدفة في هذا العالم) سمي ذلك العام بعام ربيع الأوطان أو ربيع الشعوب أو بعام الثورات .
بدأت القصة في فرنسا في فبراير /شباط العام 1848 و انتشرت سريعا في انحاء أوروبا . كانت ثورة ضد التقليدية الحاكمة . عوامل كثيرة ساهمت في هذه الثورة التي تأثر فيها نحوا من خمسين بلدا و وصل صداها الى أمريكا الجنوبية.
كانت ثورة ضد الاقطاع و الأنظمة السلطوية الطاغية و ضد التمييز الاجتماعي و في سبيل وطنية حقيقية بعيدة عن تدخل الدول الكبرى و الامبراطوريات القديمة في أوروبا .
في فرنسا بلد المنشأ لهذه الثورات ، تشكلت ما تعرف بالجمهورية الثانية بعد أن انهارت الجمهورية الأولى و تكون الحكم الامبراطوري فيها في أعقاب الثورة الفرنسية.
الصراعات غير المنتهية و تحالف الامبراطوريات القديمة و خصوصا النمساوية و البروسية جعل من دوام التجربة الجمهورية الثانية مستحيلا . لم تمض سوى أربعة أعوام حتى انتهت هذه الجمهورية الثانية و تكونت الامبراطورية الثانية صاحبة السلطة المطلقة.

انهارت هذه الثورات في أرجاء أوروبا كلها.في النمسا صاحبة النصيب الأكبر من التأمر على هذه الثورة ، لم تخرج هذه الثورات الا بنتيجة واحدة و هي الغاء عبودية الأرض . كانت النمسا تحكم سبعة بلدان كاملة تشكل أمبراطوريتها الواسعة الممتدة من مصب الدانوب شرقا الى حدود بروسيا غربا .
نظريا لم تؤد هذه الثورات ما كان مطلوبا منها ، لكنها حفزت الشعوب للمطالبة بحقوقها و الوصول الى وحدة أوطان كانت مقسمة كألمانيا و ايطاليا و انعتاق أوطان من نير التسلط الامبراطوري سواء النمساوي أو الروسي ...
دول كثيرة تشكلت خلال نصف قرن من بداية هذه الثورة . دول كانت تعد مناطق نفوذ ، أحيانا روسية و أحيانا أخرى نمساوية و أحيانا بروسية و أحيانا فرنسية.

كل ثورة لها هدفها و هدفها الأسمى هو التخلص من تسلط سواء أكان تسلطا خارجيا أو تسلطا محليا. مشروع احباط الثورات و القيام بالثورة المضادة هو مشروع له جذوره في التاريخ .
قادت الطبقة الوسطى و طبقة المتعلمين هذه الثورة . هؤلاء هم عادة وقود أي حراك . كانوا كذلك في أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر ، تماما كما هم الأن، يقودون العالم العربي نحو اتجاه جديد و ان طالت رحلتهم هذه . كانوا يطالبون بما يرنو اليه أي عقل متنور متعلم: الحرية و الديمقراطية.
المطلبين الأخيرين هما صنوان لا يفترقان و هما هدف كل الحراك الذي نشاهده الأن. انها قصة أبعد من كونها ثورة على أيديلوجية. انها ثورة العقل الذي يراقب لكنه لا ييأس من الانتظار.

كما دخلت هذه الثورات في دائرة الانهيار بعد عام منها في أوروبا القرن التاسع عشر، الا أن الروح نفسها ظلت موجودة و التطلع نحو الهدف الأساسي ظل أيضا موجودا. عمليا انهارت ، لكن من حاربها ، سقط في النهاية و دخل في دوامة التفكك و تقزم الدور .



مصطفى حميدو

17/07/2011
Share:

0 comments:

Post a Comment

Telegram

Podcast