Sunday 19 February 2006

ما السر الخفي وراء «اقامة سعد» في باريس؟


بيروت ـ محمد باقر شري
19/2/2006
الديار

هل يعتبر تدخلا في الشؤون الخاصة للسياسيين اذا طرح على احدهم سؤال يتعلق بأماكن تواجده ‏وتحركاته او «بسيرته الذاتية» وخاصة اذا كان ممثلا للشعب كنائب او وزير او «كزعيم ‏اغلبية» في مجلس الشيوخ (عفوا في مجلس النواب» وهي غلطة يمكن ان تكون مقصودة وفي محلها، لو ‏ان بعض بنود الطائف طبقت اي لو طبق ما نص عليه اتفاق الطائف من انشاء مجلس الشيوخ ‏مثلاً، لهدأت «فورات» بعض المحتجين والغاضبين على القضاء والقدر، لأن هذا البعض ليس لديه ‏رئاسة الى جانب الرئاسات الثلاث، ولو ان بنداً آخر من بنود الطائف اساسي تم تجاهله حتى ‏الآن تجاهلا تاماً، وخاصة من جانب الذين ينعون على سواهم «شبهة» المساس باتفاقية الطائف، ‏اما كانت حلت عقدة هذا البعض الذي لا يقل عن غيره جدارة بالرئاسات؟ بل لحلت ليس مشكلته ‏فقط بل مشكلة البلد، هذا اذا لم يكن هنالك «اجفال» من عواقب الغاء الطائفية على حقوق ‏الطوائف، بينما يكون هذا البند المتعلق بإنشاء مجلس أعلى لالغاء الطائفية السياسية قد ‏حل مشكلة اي طامح بالمساواة مع سواه في نيل المناصب العليا اذا كان مستحقا لها حتى ولو ‏كان من ينتمي اليها طائفة قليلة العدد!‏
وبالعودة لمسألة «حق الناس» في مراقبة التصرفات وحتى التحركات الخاصة للسياسي، بحيث ‏يزداد النظر الى سلوكه وتصرفاته وتحركاته وتنقلاته واماكن تواجده، كلما ازداد مركزه ‏السياسي أهمية : فالمرحوم الشهيد الزعيم الاشتراكي التقدمي كمال جنبلاط، كان يكتب المقالات ‏في جريدة حزبه «الأنباء» فيعرض فيها الى نقد بعد المظاهر الاجتماعية، الى جانب السياسية. ‏فقد كتب مرة وهو ينعي على بعض الفئات الشعبية، كيف تستبيح «الحياة الخاصة للسياسي ‏الذي يمثلها، لدرجة انها تجد من حقها ان تدخل عليه في مخدعه لتقدم اليه الشكاوى وتطلب ‏الخدمات وتحرمه من حقه البشري الشرعي المكفول لكل مواطن ولكل انسان في أن يأخذ قسطا من ‏الراحة، وان يكون له الحق في ان يكون لمنزله حرمة!‏
وفي قياس مع الفارق الواسع والبعد الشاسع من حيث الزمان والمكان والاشخاص، فان الامام ‏علي (ع) كان يقول ما معناه : ان العديد من اولي الامر والنهي من الحكام يظلمون ‏مأموريهم ويتحكمون بالرعية، اما انا فأني اعاني الظلم من جانب من ولوني امورهم! بل ‏انه كان يقول من مازجاً الجد بالدعابة، ان اخاه عقيلاً كان ىظلمه» مرة في صغره ومرة في ‏كبره ففي الصغر كان عقيل مصابا برمد في عينه وكان يصر على أخيه علي (ع) ان ىقطر» مثله ‏في عينه حتى ولو كانت عيناه سليمتين! اما في كبره فكان يعتب على الامام ويلومه لانه لا ‏يعطيه ن بيت المال اكثر مما يعطي الاخرين الذين كانوا يأخذون نصيبهم من المال بالتساوي ‏ولدرجة انه ذهب طلبا للمال الاوفر،، فكان هذا الخصم «يحرّم حراماً بعد ان اغتصب السلطة ‏بمساعدة الاغنياء من الطبقة الموسرة التي ايدته التي لا يرى افرادها حريجة في الدين من حيث ‏التصرف بالمال العام مصداقاً لما سبق ان تنبأ به الرسول (ص) عندما قال «ان بني فلان.. ‏يخضمون مال الله خضم الابل نسيم الربيع»!‏
فاذا ما وجدنا البعض يتساءل: ليس من باب التدخل في الشؤون الخاصة للسياسي الصاعد ‏الشيخ سعد الذي ارتفعت حرارة مطلبه بانتزاع السلطة من الرئيس لحود عن طريق تعديل ‏مادة دستورية اتاحت للرئيس التمديد لولايته، علما ان التمديد الاخير قد ولد من رحم ‏التمديد القديم» علما ان الثائرين على التمديد قادوا حملة التمديد لسواه، فأقاموا ‏الدنيا ولم يقعدوها بسبب التمديد اللحودي» الذي ولد من سابقة التمديد لمن سبقه ولا ‏نقول ذلك دفاعاً عن الرئيس الذي يكاد يصبح (هو نفسه) ممدداً «سياسياً» وليس الممدد له ‏فقط، والذي لا يحسن الدفاع عن نفسه. بل نقول اذا كان هؤلاء يعتبرون التمديد له «جريمة ‏عظمى» بحيث ابدوا استعدادهم لوضع مصير البلد على حافة الحرب الاهلية من اجل منع التمديد ‏لولايته بعد ان حرّضوا العالم ضده، بدعوى انه «سبب كل البلاء» الذي يعاني منه لبنان، ‏وكأنهم هم بريئون من معاناة البلد «براءة الذئب من دم ابن يعقوب»!‏
ولهذا فاننا لا نمد غضاضة في ان نحاول الاجابة، على تساؤل يتردد ليس في «الشارع السياسي» ‏فقط بل في الشارع العادي، ومن جانب اوساط واسعة من «الاغلبية الصامتة» : لماذا «يسكن» ‏الشيخ سعد زعيم الاغلبية النيابية خارج البلد، علماً انه قد عاد لحضور المناسبة التي لا ‏يستطيع ان يغيب عنها، وهو يعلن انه بعد تلك الغيبة الطويلة والتي يراها هو «غيبة ‏صغرى» على اهبة الاستعداد للعودة الى «مقره الباريسي» رغم انه اعطى اشارة البدء للذين ‏‏«قبضوا» جدياً وليس «القبض» بمعناه الآخر، مسألة قرب «ترحيل» رئيس الجمهورية الى خارج ‏قصر بعبدا، مع التمنين على اللبنانيين بأنهم كانوا يريدون ان يزحفوا مع «جماهيرهم» الى ‏قصر بعبدا لتحريره من الرجل المتهم بالتقصير في «لبنانيته» ولا نريد ان نقول «العبارة ‏الطائفية»، لانه ـ في نظرهم ـ «قد زادها» في تأييد المقاومة التي اصبح تأييدها في «زمن ‏الردّه» انتقاصاً من وطنية اللبناني، مما جعل امين عام هذه المقاومة يقول : «لقد اصبح ‏معيار الوطنية واللبنانية، ان يحظى المرء بشهادة في وطنيته اللبنانية من حزب كاديما كما ‏دعا المنشق الليكودي الى ما هو اسوأ وخاصة اذا كات تضحيات المقاوم في مواجهة الاحتلال قد ‏جعلته محسوداً على نيل بعض الثناء والامعان من قبل بعض من جانب الرأي العام بسبب ‏الاستعداد للتضحية بالنفس والاهل والولد، و«المال والتلد» ولدرجة يصح في ان يكون لسان ‏حاله:‏
هم يحسدوني على موتي فوأسفي حتى على الموت لا اخلو من الحسد الحسدِ!‏
وفي جهودنا المتواضعة لتفسير «لغز» اعتصام الشيخ سعد في باريس نحاول ان نستقرىء بعض ‏‏«النصائح» التي وجهت للشيخ سعد من الرئيس شيراك، بأن يترك في الوقت الحاضر تولي «السلطة» ‏مباشرة، لأن «اموراً شائكة» سوف تحدث في لبنان على ضوء تنفيذ القرار 1559، بحيث لا يحترق ‏بنارها في مطلع حياته السياسية، وخاصة ان قضية «الرئيس الشهيد» تقضي في نظره ان يكون ‏قريباً من «مركز القرار اللبناني» في باريس، واذا اضطرته الضرورة للذهاب الى واشنطن او ‏الى الرئيس بوش ونائبه تشيني من «مزرعتيهما» حيث يمارس الاول «ادارة العالم» على طريقته ‏في «مقره الريفي التكساسي» حيث كان «متربصاً» فيه بعيدا عن البيت الابيض من غزو نيويورك ‏وواشنطن في حين كان بن لادن يعيث في الاجواء الاميركية ـ على ذمة الادارة الاميركية ـ فيقتل ‏مئات الابرياء ويدمر مركز التجارة العالمي ويحول «قلعة الدفاع» الاميركية الحقيقية الى ‏‏«مسرح» وملعب «لغزواته» الارهابية!‏
واما نائب الرئيس الذي كان اكثر احتضاناً للشيخ سعد منذ البداية، فانه حين كان وزيراً ‏للدفاع خلال حرب «عاصفة الصحراء» وكان معجباً مثل رامسفيلد بصدام حسين ـ قبل ان يحل ‏الغضب على صدام ـ والذي يسممي (اي تشيني) لدى «النخبة» في اميركا بأنه «اله الحرب ضد ‏الارهاب» فانه اذا وجد تقاعساً عن «المجازر الفظيعة» وتحقيق «الفوضى البناءة» في العراق ‏فانه «يجرّب هواية القتل» في اقرب اصدقائه اليه و«يصطاده» كما يصطاد الغزلان! وان كان ‏‏«ضمير» تشني قد تحرك ـ كما نقلت وكالات الانباء عن لسانه - ولم يعد ينام الليل بعد اصابته ‏لصديقه، وخاصة انه خشي ان تؤدي الاصابة الى موته، بينما لم يتحرك هذا الضمير لما اسفرت ‏عنه «نصائحه» قبل الهجوم على افغانستان والعراق، من قتل الابرياء والمجازر والرشوة ‏وتحريك العصبيات الطائفية والاثنية والتي تبدو كلها امور «مشروعة» بالنسبة اليه. بحيث ‏يمكن ان يصح في «فلسفته» التي يمكن ان يتحرك فيها ضمير المرء اذا اصاب «صديقه» بطلق ناري ‏عن طريق الخطأ، اكثر مما يتحرك عندما يصيب امماً بأكملها من القتل المنهجي المتعمد المنظم، ‏القول المشهور:‏
قتل امريءٍ في غابةٍ جريمة لاتغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر!‏
مع تعديل في بعض مفردات البيتين فتوضع في صيده «بدلا في غابة»، وتوضع شعوب مكان شعب، حتى ‏ولو «انكسر» البيت، لأن «النظريات التشينية» طبقت على شعبين حتى الآن وليس على شعب ‏واحد، وهناك «شهية» مفتوحة لتطبيقها على شعوب أخرى، و«الافضلية» عنده دائماً بالنسبة ‏للشعوب التي تطبق عليها هذه «النظريات» ان تكون شعوباً عربية او «اسلامية» وليست ‏الشعوب الاسلامية كلها، فاذا كانت شعوباً «اسلامية» على «دين رؤسائها» الذين يسكتون عن ‏اهانة نبي الاسلام، فلا مانع من اعفائها موقتا من تطبيق هذه النظريات عليها، اما اذا كا ‏ن بعض ملوكها ورؤسائها و«المتمردين» على «القدر الاميركي» ولو نسبياً، فان دماء وممتلكات ‏الشعب والنظام على السواء تصبح مستباهة وتصبح عرضة «لتجارب» احدث الاسلحة المعقدة مثل ‏القنابل الفراغية والنيوترونية، وذات التأثير النووي المحدود تمهيدا لاجراء تجارب نووية ‏واسعة اذا اقتضت الضرورة!‏
وسؤال يطرحه المواطن العادي على الذين يعتزون بعلاقاتهم الحميمة بظاهرة بشرية «عجيبة» ‏مثل ظاهرة بوش وديك تشيني وثالهما كونداليزا رايس، ويفضلون العيش في اجوائهم فوق ‏‏«عشقهم» المبرر «لبطل» القرار 1559 جاك شيراك الذي هدد باستخدام القنبلة النووية ضد ‏بلد لم يثبت حتى الآن توصله الى انتاج قنبلة نووية واحدة، اذا كان سبب «الاستيطان» و«تهجير ‏الذات» الى فرنسا او سواها سببه أمني ـ رغم ان الاجهزة الامنية اللبنانية قد اعيد ‏تشكيلها «على عينه»، وكما يريد.. فكيف استطاع ان ينزل بنفسه الى اكبر ساحة في بيروت تضم ‏حسب تقديرات وكالة الصحافة الفرنسية ـ اذ حتى التقديرات الاحصائية ـ اصبحت ذات هوية ‏فرنسية او اميركية (ربما لكي تظل التقديرات في اجواء القرارين 1559 و1595) فكيف يغامر ‏الشيخ سعد بابقاء «حوارييه» او حلفائه في لبنان وتركهم طعمة للفوضى الامنية؟
Share:

0 comments:

Post a Comment

Telegram

Podcast