Wednesday 16 April 2008

اهانة لمصر وكرامتها وشعبها

عبد الباري عطوان
16/04/2008


يتعرض المحاصرون المجوعون في قطاع غزة الي حملات تحريض وحصار غير مسبوقين هذه الايام، من طرف الاسرائيليين الذين اعادوا قطع الوقود والمواد الطبية مجددا، وارفقوا ذلك بتوغلات وغارات دموية يومية لقتل الاطفال والناشطين من ابناء فصائل المقاومة، وأيضا للأسف الشديد، من قبل بعض اوساط النظام المصري والاجهزة الاعلامية الرسمية التابعة له.
بالأمس نشرت صحيفة الاهرام المصرية خبرا علي صدر صفحتها الاولي تقول فيه انها تكشف بالأدلة القاطعة عن خطة لحركة المقاومة الاسلامية حماس لاقتحام الحدود المصرية من خلال قصف مكثف بمدافع الهاون، ونسف الجدار الحدودي الفاصل، ولم تكشف الصحيفة عن مصادر معلوماتها هذه، ولكن من الواضح ان اجهزة امنية متخصصة في التحريض والتعبئة النفسية هي التي اوعزت بنشر الخبر بالطريقة التي نشر فيها.
الاخطر من ذلك، وفي مثال آخر علي الحملة التحريضية هذه، استضاف برنامج القاهرة اليوم في التلفزيون المصري، وفي فقرته المتعلقة بعرض الصحف، مساء الاثنين (امس الاول) الدكتور عبد المعطي بيومي استاذ الافتاء في جامعة الازهر ليتحدث عن هذا الخبر، وعن ما أسماه بـ فتوي صدرت عن احد كبار المشايخ في قطاع غزة، تبيح قتل الجنود المصريين علي الجانب الآخر من الحدود. واعتبر هذه الفتوي من كبائر الامور، وانتهاكا صارخا لسيادة مصر وكرامتها الوطنية، وقواتها المسلحة.
حرصت شخصيا علي متابعة البرنامج، وآراء الدكتور الضيف، واسلوب مقدم البرنامج الذي يتعمد استثارته للإسهاب في التأكيد علي هذا الخطر العظيم الداهم علي مصر وسيادتها وكرامتها الوطنية من ابناء قطاع غزة، ومن هذا المفتي المحرض علي انتهاك هذه السيادة، وقتل حماتها من الجنود المصريين.
بعد تركيز شديد، ووسط حملات مكثفة مدروسة من التحريض اختيرت كلماتها بعناية فائقة، لتكريه ابناء الشعب المصري الطيبين بأشقائهم المقاومين المرابطين باسم الامة والعقيدة في فلسطين في مواجهة مجازر اسرائيلية يومية، اكتشفت ان هذا المفتي يدعي الكلاّب، وهو امام مسجد صغير جدا اسمه مسجد عباد الرحمن في مدينة خان يونس، مثلما ورد في البرنامج. ولم يسمع به، او بمسجده الا قلة قليلة حتي من ابناء خان يونس نفسها، ولا نعرف كيف قال ما قاله حول قتل الجنود المصريين، وما اذا كان قد نطق به فعلا.
الشيخ المذكور غير معروف علي الاطلاق، ولا يوجد في قطاع غزة او فلسطين كلها، من يصدر الفتاوي منذ الحاج امين الحسيني، ولم اسمع شخصيا ان هناك ائمة او مشايخ في قطاع غزة بالذات في عشر حجم الشيخ يوسف القرضاوي يصدر فتاوي دينية. حتي الشيخ احمد ياسين زعيم حركة حماس رحمه الله، لم يكن معروفا عنه اصدار فتاوي، وكذلك قادة حركة حماس او الجهاد الاسلامي الشهداء منهم او الأحياء. ومع ذلك تخرج علينا الاهرام بهذه الفتوي الغريبة، وتعمل علي تضخيمها، وتوظيفها بشكل شرير لتحريض الشعب المصري ضد اشقائه المحاصرين المسجونين في قطاع غزة.

الأدهي من ذلك ان الدكتور بيومي الذي بالغ في استنكار موقف هذا المفتي المجهول وفتواه، وتطاولها علي مصر وسيادتها، افتي بحق الجنود المصريين علي الجانب الآخر من الحدود باطلاق النار، وقتل هؤلاء المنتهكين للتراب المصري والسيادة المصرية دون تردد، لأن مصر لا تقبل بان يتطاول عليها احد، او ينتهك سيادتها احد.
هذا التحريض السافر، والفبركة الأمنية والاعلامية المقصودة التي ترافقه، ليست جديدة، وتضرب جذورها بعمق في تاريخ طويل من التحريض ضد العرب، والفلسطينيين، مارسته وحدات خاصة في الامن المصري، مرتبطة مباشرة بالقصر الجمهوري، وتوجه بـ الروموت كونترول من قبل المجموعة المؤثرة داخله. ولعلنا نذكر مثلا ليس بالبعيد في هذا الصدد، واثناء اقتحام الحدود في رفح من قبل الفلسطينيين المحاصرين قبل اشهر معدودة، عندما قال السيد احمد ابو الغيط وزير الخارجية انه سيكسر رجل كل من ينتهك الحدود من ابناء قطاع غزة. ولعلنا نتذكر ايضا حملات الهجوم الشرسة التي تعرض لها النجم الكروي المصري محمود ابو تريكة الذي تعاطف مع ابناء قطاع غزة المحاصرين، وهي الحملات التي اتهمته بعدم الولاء لمصر، وشككت في وطنيته، وآخر القصة معروفة.
ولو عدنا الي الوراء قليلا، وبالتحديد الي اواخر السبعينات من القرن الماضي، وقبيل زيارة الرئيس محمد انور السادات للقدس المحتلة وتوقيعه اتفاقات كامب ديفيد، نجد الصحف القومية المصرية مثل الاهرام و الاخبار و اخبار اليوم طافحة بالمقالات البذيئة ضد العرب والفلسطينيين منهم بالذات، خاصة من قبل كتاب مثل انيس منصور وابراهيم سعدة، تخصصوا في التحريض والردح، وعمليات التكريه هذه، مثل الحديث عن الفيلات الفخمة للفلسطينيين في الاردن ودول الخليج، بينما الشعب المصري يتضور جوعا.
الحملة التحريضية الجديدة ضد ابناء قطاع غزة المحاصرين تتجاهل كليا، وبشكل متعمد، مشاركة الحكومة المصرية، المسؤولة قانونيا واخلاقيا واسلاميا، عن هؤلاء وأمنهم ورفاههم، في احكام اغلاق الحدود، وتشديد الحصار، ومنع وصول الطعام والدواء والحاجات الاساسية، والسماح بخروج المرضي والجرحي والمصابين للعلاج.
ابناء قطاع غزة اطلقوا الآلاف من نداءات الإغاثة وصرخات الاستعطاف للسلطات المصرية لفتح معبر رفح وتخفيف الحصار عنهم، والسماح بدخول المواد الغذائية والطبية، ولكن هذه السلطات رفضت رفضا مطلقا التجاوب، وبأوامر اسرائيلية وامريكية، وبالغت في اغلاق الحدود، ونسف الأنفاق، ومنع دخول لقمة خبز واحدة لمليون ونصف مليون جائع ومحاصر من العرب والمسلمين والبشر في قطاع غزة.
فبركة فتاوي عن تحليل قتل الجنود المصريين علي الحدود هي تمهيد واضح لمجزرة تعد لها قوات الامن المصرية لأبناء قطاع غزة اذا ما حاولوا تكرار عملية اقتحام الحدود مرة اخري بحثا عن لقمة خبز، او علبة حليب لاطفالهم. الفتوي الحقيقية والاخطر هي التي صدرت عن الدكتور عبد العاطي بيومي واساتذة آخرين تحلل لرجل الامن المصري اطلاق النار علي الفلسطينيين بهدف القتل في حال عبورهم الحدود، وتهيئة الشعب المصري المتعاطف لقبول هذه المجزرة علي اعتبار ان الفلسطينيين هم المعتدون.
اقتحام المحاصرين للحدود المصرية عندما وقع قبل شهرين كان سلميا، ولم يتعرض احد للجنود المصريين، ولم تتم اي عمليات سلب او نهب، رغم ان ثلاثة ارباع مليون شخص عبروا الي الجانب الآخر من الحدود في اليوم الاول، وهو رقم كبير، وكان من الطبيعي والمنطقي ان تحدث عمليات شغب او صدامات، ولكن ابناء قطاع غزة كانوا، رغم جوعهم واحباطهم، في قمة الحضارية واظهروا حرصا اكيدا علي الروابط مع مصر وشعبها، ولم يقدموا علي مخالفة امنية واحدة، وكاميرات التلفزة العالمية كانت شاهدا علي هذا الاقتحام الحضاري المسؤول للحدود.

الحكومة المصرية تريد افتعال ازمة مع قطاع غزة، وحركة حماس علي وجه التحديد، لحرف اهتمامات الشعب المصري المجوع المحاصر فعلا، نحو عدو خارجي ، لنسيان همومه الداخلية في الجهاد من اجل الحصول علي رغيف خبز مدعوم لإطعام اطفاله، والاستشهاد في طوابيره امام المخابز. هذه هي الحقيقة التي نستخلصها من عمليات التحريض المفاجئة ضد الفلسطينيين، و حماس علي وجه الخصوص.
هذه الحكومة الفاسدة، وبعد ثلاثين عاما من النهب وسرقة مال الشعب المصري وثرواته علي ايدي حيتانها الكبار، واعادته الي طوابير الخبز، بدلا من طوابير اللحوم والدجاج والكماليات والوظائف والتنمية الصناعية والزراعية، تريد ان تفتعل معركة مع اضعف الناس، واكثرهم معاناة ووطنية، وحبا لمصر وشعبها، وتقديرا لتضحياتها وشهدائها الذين سقطوا بالآلاف دفاعا عن الأمة والعقيدة الاسلامية وقضاياها في العالمين العربي والاسلامي.
من ينتهك سيادة مصر وكرامتها الوطنية ليس من يعبر حدودا وهمية الي الدولة الأم بحثا عن علبة حليب لأطفاله، وانما من يجوع الشعب المصري ويحرمه من لقمة عيش كريمة شريفة، بينما هو يأكل الكافيار ، أو وجبات الطعام المستوردة من مطاعم لندن وباريس، ويركب السيارات الفارهة المظللة الزجاج، حتي لا يري الحفاة العراة في شوارع المحروسة، وقد طحنهم الفقر والجوع والشمس الحارقة.
من ينتهك سيادة مصر هو من يبيع غازها ونفطها الي اسرائيل بأقل من نصف اسعار هذه المواد في الاسواق العالمية، ويرفض ان يكشف لأبناء وطنه عن الحقيقة في هذا الخصوص رغم النداءات المتكررة.
من ينتهك سيادة مصر وكرامتها وعزتها هو الذي يصمت عن مقتل مواطن او مواطنة مصرية علي ايدي الجنود الاسرائيليين في سيناء، ثم يتحول الي شرطي لقتل الافارقة الفقراء الذين يريدون اقتحام الحدود الي اسرائيل بحثا عن لجوء سياسي او فرصة عمل، بينما تستقبلهم اسرائيل في الجانب الآخر من الحدود بالعطف والاغذية والمعاملة الجيدة، حتي تقول للعالم انظروا الي المصريين المتوحشين كيف يقتلونهم بالرصاص، وكيف نعاملهم نحن الديمقراطيين الانسانيين. القائمة طويلة، ولا يتسع المجال للمزيد من الاسهاب في ذكر الامثلة، وكل ما نريد ان نختتم به هو القول ان ما يحدث من تحريض ضد الفلسطينيين المحاصرين المقاومين من قبل اجهزة النظام المصري وإعلامه هو امر معيب، ولا يليق بمصر وشعبها العظيم، وتاريخها المشرف في الدفاع عن الامة والعقيدة، فاختيار الضعفاء المظلومين المجوعين كأعداء والتحريض عليهم ليس من شيم الشعب المصري وتراثه الانساني والاخلاقي العظيم في نصرة الضعفاء والمستضعفين.
نحن الذين نحب مصر، ونقدر جميلها، ونريدها ان تستعيد دورها ومكانتها، وتصبح مصر الكبيرة التي نعرفها ونتوق اليها، اما هؤلاء فهم الذين يكرهونها، ويرونها بقرة حلوبا للنهب والسلب فقط.
Share:

2 comments:

  1. الي أين نحن ذاهبون ؟!

    ReplyDelete
  2. ببساطة فان هذه المنطقة تتعرض لأكبر عملية سلبي في التاريخ. مع انها من أغنى مناطق العالم الا أن كل ذلك لم يشفع للاس فيها أن يعيشوا "متل البني ألأدمين".
    السوق المفتوحة الواحدة في هذه المنطقة هي الكفيلة بحل الكثير. السوق الواحدة يعني انتاج أكبر ة بالنالي نهضة حقيقية. الكانتونات المسماة دول هي في الحقيقة مرادفىة للمجاعة و الارتهان للخارج.

    ReplyDelete

Telegram

Podcast