Thursday 19 April 2018

وجوه بلا ملامح

تستطيع أن تنسى كل شئ إلا شيئا واحدا و هي تفاصيل المكان الذي قضيت فيه طفولتك. بين الحين و الآخر يظهر لك في حلمك بكل تفاصيله جاعلا منك آلة عرض لشريط طويل من الذكريات.
في الأمس استعدت جزءا من تفاصيل المكان الذي عشت فيه يوما في حلم جعلني أستيقظ و الرعب يغمرني. الأبطال كانوا المكان و أبي و الشارع و الناس الذين كانت وجوههم في الحلم بلا ملامح.
ظهر أبي في غرفة بيتنا القديم يجلس بجانبي نتفرج على التلفاز. كانت الدنيا قبيل المغرب. الشمس كانت قد أخذت بالغروب و بدأ الظلام يزحف على السماء ليحيلها إلى سواد لا ينتهي. طلب مني أبي أن أشعل إضاءة الغرفة ذات الباب الشمالي. قمت و فعلت ذلك و عدت إلى جانبه و جلست. النيون كان محاذيا لباب الغرفة  يعلوه بقليل إذا مددت يدك نحوه تصله بسهولة. بدأ النيون تضعف إضاءته و بدأت شرارت نار تخرج من شريط الكهرباء الذي يوصل الكهرباء له. سألني أبي:
هل حدث ذلك من قبل؟
قلت و الدهشة تملأ وجهي:
لا... إنها المرة الأولى التي أرى ذلك.
فجأة انطفأ ضوء النيون و خرجت رائحة شياط منه و الشريط الذي يتصل به.
قام أبي من مكانه و حاول أن يفصل الكهرباء عن النيون من مفتاح الكهرباء و أن يعيد وصلها عل شيئا يتغير دون فائدة.
قال أبي بأن المشكلة من الشريط و طلب مني أن آتي له بالعدة ليصلحها.
طلبت منه أن لا يفعل فهو غير متمرس في أمور الكهرباء. كان خوفي عليه من خطأ يؤذيه هو دافعي لطلبي.
لم يستجب. بقي أبي على عناده و هو المشهور بذلك و المشهور بجملة: إنت بدك تعلمني؟
رضخت لإصراره و أتيته بالعدة و بدأ يحاول أن يجتهد في إصلاح الكهرباء. ظل كذلك لبرهة من الوقت و فجأة رأيته يتلوى على سلم صغير كان صاعدا عليه لإصلاح الكهرباء و كأن الكهرباء قد مسكته و هو يحاول مقاومتها. ظل كذلك حتى سقط مغشيا عليه بينما كان الرعب يسيطر علي من هول المشهد. ركضت نحوه و حملته و خرجت من البيت للشارع أصرخ عل أحدهم يسمعني فيأتي بسيارة تحملنا إلى أقرب مستشفى. كان الناس ينظرون إلي و أنا أحمله ثم يشيحون وجوههم عنا و يكملون مسيرهم. لم يأت أحد للمساعدة و لم يحاول أحد أن يسأل ما بنا. ظللنا كذلك حتى لفظ أبي أنفاسه بين يدي و جلست على الأرض أصرخ و أهذي.

مصطفى حميدو

Share:

0 comments:

Post a Comment

Telegram

Podcast