Sunday 26 August 2018

الإدهاش بيد الحريف

القدرة على الإدهاش هي من الأشياء النادرة في الأفلام العربية. نحن اليوم أمام فيلم أقل ما يوصف به أنه يدهش و يزرع في النفس البهجة و التفاؤل. ليس غريبا على محمد خان جودة الصنعة فهو من المخرجين المصريين القلائل الذين يمكن أن يصنف بالحريف ( للمفارقة فإن محمد خان قد أخرج فيلما بهذا الإسم لعادل إمام يعتبر أفضل أفلام إمام فنيا و أكثرهم جودة لكنه -أي إمام- لا يحب ذكره لأنه لم يحقق النجاح الجماهيري الذي اعتاد عليه) . هذه الحرفة نراها بوضوح في فيلم محمد خان الذي نتكلم عنه هنا "خرج و لم يعد" من إنتاج عام ١٩٨٤ الذي لعب دور البطولة فيه  فريد شوقي و يحيى الفخراني و ليلى علوي.
أجاد محمد خان في هذا الفيلم في الإنتقال من القبح إلى الجمال عبر المقارنة بين بيت البطل(يحيى الفخراني) المتهالك في الحي العشوائي و جمال الريف الساحر في قريته العزيزية. يفتتح خان فيلمه بتوظيفه لقبح الزحام في القاهرة و قبح مسكن البطل و علاقته المتوترة مع خطيبته وصولا لقرار أمها عدم استقباله في بيتها قبل حل مشكلة شقة الزوجية و تمهله ثلاثة أشهر لذلك. يقرر البطل في لحظة يأس أخذ إجازة من عمله و السفر للقرية لبيع قطعة أرض يمتلكها تعينه في حل هذه المشكلة.
هنا يبدأ خان في رصد الجمال و إبرازه ليقارنه بالقبح الذي كان يعيش فيه البطل. منذ اللحظة الأولى لوصوله للعزيزية يبدأ في البحث عن مشتري للأرض فيقوده عمه لملاك كبير ( فريد شوقي) يملك أراض شاسعة في القرية و له من البنات ستة أكبرهن تدير الأرض الشاسعة بما تسمح به طاقتها. يبدأ الملاك في المماطلة في الشراء و يدعوه لبيته الكبير ليعيش معه ريثما ينتهي المحامي من صياغة عقد الشراء في محاولة منه لإغرائه للبقاء في القرية و إدارة أراضيه و حتى تزويجه ابنته. و فعلا يقع البطل في حب البطلة (ليلى علوي) و يبدأ الجمال بالبروز سواء جمال الفتاة التي كانت مهملة لنفسها أو جمال المكان الفاتن الذي لا يمكن أبدا مقارنته بالمكان الذي كان يعيش فيه البطل.
أجاد خان خلال الفيلم في إبراز فتنة الريف المصري من جميع النواحي فأدهشنا باللقطات التي اختارها و الانتقال الهادئ بين المشاهد في عملية تجعل المشاهد يتوقع المزيد من الجمال في المشهد التالي.
شخصيا أعتبر هذا الفيلم من أجمل أفلام السينما المصرية. فهو فيلم يحمل قضية بسيطة لكنه مشغول بحرفية تجعل من هذه القضية البسيطة مسألة فلسفية من خلال المقارنة بين القبح و الجمال مكرسا انتصار الجمال على لسان البطل (يحيى الفخراني) عبر وصفه خطيبته السابقة بأحمد عدوية.
Share:

0 comments:

Post a Comment

Telegram

Podcast