Thursday 19 January 2006

جنبلاط ثابت بلا ثوابت،جنبلاط ضد جنبلاط



الكفاح العربي
19\1\2006
فجأة انعطف بحدة عن الثوابت التي يؤمن بها, وكأن المرحلة التي يعيشها لبنان والمنطقة مرادف لـ«قوة قاهرة» لا يمكن مواجهتها.بعدما قال «لا» لمشروع التمديد, بالرغم من الحيثيات الداخلية والاقليمية التي فرضت تطويل ولاية الرئيس اميل لحود, تحول اثر محاولة اغتيال مروان حماده, ثم اغتيال الرئيس رفيق الحريري, الى «فدائي» سياسي, لا تعوزه الشجاعة وروح المغامرة والقدرة الكبيرة على المناورة.انه وليد جنبلاط, زعيم المختارة, وريث البيت الدرزي العريق الذي لم يساوم يوماً على قناعاته الوطنية والقومية بكل ابعادها ومضامينها الثورية والاشتراكية والتحررية والاستقلالية.خيارات جنبلاط «الفدائية» ما انفكت تتواصل, وكأن المطلوب ان يكون ثابتا بلا ثوابت, يستقطب الآخرين الى موقعه ولا ينقاد لطروحاتهم, حتى اذا قرروا تحولت المختارة الى «الممر الالزامي» لكل قرار. ومروحة خياراته عريضة أكثر من أي وقت, تبدأ في جونيه ولا تنتهي في اعالي بشري, مرورا بقريطم والرابية وجبيل وبيت الكتائب المركزي في الصيفي. وفي الساحات الخارجية هو الحاضر الأول في حركة التشاور الدائم بين القاهرة والرياض وباريس وواشنطن, من دون ان نغفل موسكو «الحليف التقليدي» في الحرب وفي السلم.والرجل ثابت بقوة في زحمة التغيرات والتفجيرات والاغتيالات والانشقاقات, وقد تخلى عن كل أو معظم ثوابته, وكأنه يراهن على خط استراتيجي جديد أو مرحلة تاريخية جديدة في حياة لبنان والمنطقة, وهذا «التخلي» يمكن تلمسه بوضوح كامل في مواقفه الأخيرة من حلفائه بالأمس والأمس القريب, من «حزب الله» الى «أمل» الى دمشق, وصولاً الى كل حلفاء المقاومة ودمشق على امتداد المساحة العربية والدولية.اليوم, بعد عام وبعض العام على معركة التمديد, وثمانية أشهر أو اكثر على الانسحاب السوري, «تفرقع» التصريحات الجنبلاطية في الفضائيات العربية والعالمية, كما في الصحف والمجلات العربية, بقوة غير معهودة: موقف من الوجود الفلسطيني المسلح, وموقف من المقاومة, وموقف من سوريا الحليف القوي حتى الأمس القريب, ومواقف من رفاق الدرب السياسي يميناً ويساراً, وكأن الزلزال السياسي الذي تعيشه المنطقة لا يكتمل إلا باكتمال حلقات التصريحات الجنبلاطية.والسؤال: ما هي الدوافع الحقيقية لهذه المواقف «الانتحارية», وفي أي اتجاه يسير سيد المختارة على وقع العصف الاقليمي؟ ثم ما هي «الثوابت الجديدة» التي تحكم السلوك الجنبلاطي السياسي في مرحلة «اللبننة» العربية التي ينادي بها والعناوين الجديدة التي يرفعها تحت راية البحث عن الحقيقة والانفتاح غير المألوف على القوى اللبنانية المسيحية؟
جنبلاط ضد جنبلاط
سامر الحسيني
الكفاح العربي
وليد بك أشهر رحّالة هذا العصر.يتنقّل في السياسة كما كان يتنقّل ابن بطوطة في ديار الله.ولوليد بك متعة في «تغيير الجو», ويملك مهارة نادرة في ابتكار التفسيرات عند كل نقلة سياسية, خصوصاً إذا كانت من نوع القفزات الكبيرة, التي لا يمكن لغيره من السياسيين أن يغامر بقفزها, أو حتى التفكير بها.ودائماً عند وليد بك هواجس, هي بالتأكيد سر ديناميكيّته التبدّلية.صحيح أنه لا يغادر المختارة, لكن من الصعب أيضاً أن تجده في مكان واحد. فهو كما يقول الشاعر: بالأمس كانوا هنا واليوم قد رحلوا.ومشكلة الآخرين مع وليد بك, أنه حيث يذهب ينجح في جمع المريدين والحلفاء. وحين يعود, يجد حلفاء الأمس بانتظاره.يخسر هنا, ويكسب هناك. وهو بذلك النموذج الأوضح لما يقال عن عدم وجود صداقات وعداوات دائمة في السياسة. فمعركة الجبل, التي هي أهم انجازاته الوطنية, كانت مواجهة شرسة وعنيفة مع الحكيم سمير جعجع, الذي تحوّل اليوم إلى حليف يشكّل مع وليد بك ثنائية تستعد لمواجهة الرباعيات والثلاثيات, وما قد يطرأ من تحالفات وتكتّلات جديدة في لبنان ­ بلد الانقلابات الديمقراطية, التي تتفوّق, بنتائجها وانعكاساتها, على الانقلابات العسكرية التي عرفها القرن العربي الماضي.قلّما نجد سياسياً لبنانياً لا ينقلب على مواقفه, التي دائماً تتحوّل من إلى مع... «الواقف» الجديد. فـ«الطلاق» السياسي في لبنان, بلغ حدّاً لم يصله في تاريخ البشرية.سوريا تحوّلت إلى عدو. وجفّ الكلام عن إسرائيل... إلا خجلاً. ووضع سلاح المقاومة في دائرة الشك. ومازالت عمليات الطلاق مستمرّة, وخصوصاً أن «الزواج الماروني», الذي لا انفكاك عنه, لم يعد ملزماً حتى للزعامات المارونية, بعد أن انتشر «زواج المتعة» وعمّ السياسة ورجالها, ولا يدري أحد أي قيمة ستبقى للمواقف المعروضة اليوم, بشكل مهين, في «اسواق الملذات».لا شك في أن هذا الخلط العجائبي لن يساهم إطلاقاً في بناء الاستقرار والوحدة الوطنية. وبدونهما لا يمكن الاطمئنان إلى المستقبل, المهدّد منذ فترة بقصف اقتصادي واجتماعي عنيف, عبر فوهات العجز المالي وأفواه العاجزين عن الوصول إلى لقمة العيش وحليب الاطفال.وليد بك.عرفناك بالتواتر سابقاً, وبالمتابعة اليوم, أنك أمهر اللاعبين السياسيين. وأن لا شيء يوقفك عن اللعب إلا الخطوط الاستراتيجية, التي لا تسمح أبداً باللعب بها أو مسّها بسوء.ونعرف أنك أجرأ السياسيين في التراجع عن الخطأ والاعتراف به. وهي صفة تحسب لك لا عليك. ولم يسبق أن عرفناها في غيرك من ساسة لبنان.لسنا في وارد تصنيف مواقفك بين الخطأ والصواب. فهذا قرارك الذي نتمنى أن تتخذه في لحظة صفاء ومراجعة معمّقة, قبل أن يتجاوز لبنان الخطوط الحمر وتدركه الأيام الحمراء.
Share:

0 comments:

Post a Comment

Telegram

Podcast