Tuesday 3 January 2006

بدعة الخطر القادم من الشرق



عشية انعقاد القمة الخليجية ال26 التي استضافتها دولة الإمارات العربية المتحدة، تعاظم الاهتمام الأوروبي والأمريكي بأمن منطقة الخليج. وإذا كان هذا الاهتمام تزامن مع ذكرى قيام مجلس التعاون الخليجي في أيار 1981، أي بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران (1979)، وغداة اندلاع حرب الخليج الأولى (أيلول 1980)، فإن هذا الاهتمام برز للعيان بعد إعلان رئيس وزراء بريطانيا الأسبق هارولد ويلسون أواخر ستينيات القرن الماضي، عزم بلاده على التخلي عن قواعدها المنتشرة في المنطقة الواقعة إلى الشرق من قناة السويس، غير أن سير أنتوني ناتنغ وفي مقال نشره في صحيفة هيرالد تربيون في 12 تشرين الأول عام 1964، تلمس أهمية أمن الخليج مقترحاً على الرئيس جمال عبد الناصر أن يكون هناك حلف تنتظم فيه دول الخليج، حفاظاً على أمنها. لا أحد ينكر أهمية الأمن في هذه المنطقة التي رأى فيها البريطانيون وفي وقت مبكر من القرن العشرين (صندوقاً أسود، فمن ملكه حكم العالم)، ولكن كيف ينظر الأوروبيون والأمريكيون إلى هذا الأمن؟ أجاب عن السؤال آنذاك السفيران البريطاني والفرنسي في العاصمة القطرية الدوحة وهما: سير أنتوني بارسونز وجان فيليب، بقولهما: (إنه تدفق النفط) It’s the flow of oil، على أن أنتوني بارسونز في كتابه (النفط وأمن الخليج) أرجع القلق الأوروبي والأمريكي على أمن الخليج في حينه إلى ثلاثة عوامل: الأول: اتفاقية الصداقة والتعاون التي كانت مبرمة بين العراق والاتحاد السوفييتي، والثاني: التنافر القبلي، والثالث: تطلعات سوفييتية للاستيلاء على نفط المنطقة. فإذا كانت هذه العوامل مبرراً للتواجد العسكري الأوروبي والأمريكي في المنطقة، حيث كانت قوات بحرية من خمس دول أوروبية تعمل عند مدخل الخليج، وفي بحر العرب، فهل يكفي انتقاؤها (العوامل) مبرراً لزوال هذا التواجد؟ وهل كان ل(بارسونز) لو ظل حياً وشهد غزو بلاده للعراق بالتعاون مع الولايات المتحدة، أن يقول: إن هذا الغزو هو سبب ما يقال.. إنه تدهور للأمن ليس في الخليج فقط، وإنما في الولايات المتحدة أيضاً؟ بعد زوال الاتحاد السوفييتي أعلنت كونداليسا رايس، وهي مستشارة آنذاك في شركة شيفرون النفطية، أنها أصيبت بالصدمة لغياب عدو قومي لبلادها. وهي بالتعاون مع بيرنارد لويس وآخرين أخذت تبحث عن العدو المحتمل.. هل هو الإسلام أم الإرهاب أم غياب الديمقراطية؟ بعد 30 شهراً من غزو العراق، تحت ذريعة امتلاكه أسلحة الدمار، انتهت اللعبة السمجة، وفكر الأمريكي في الرحيل. وأرسل ثلاثة من كبار المسؤولين إلى العراق لتقييم الوضع: تشيني، نائب الرئيس الأمريكي، ورامسفيلد إضافة إلى طوني بلير، رئيس وزراء بريطانيا، ومن قبلهم رايس نفسها. هذا الزخم من الزيارات سببه غرق الأمريكيين في أوحال العراق، في وقت أخذت بنية الأمن القومي الأمريكي التي أنشئت بعد حوادث أيلول 2001، قد انهارت رغم أنها نظمت في وثيقتين الأولى صدرت في 20 أيلول 2002 واعتبرت كل ما يجري في أي دولة في العالم، (شأناً أمريكياً)، والثانية أشرف عليها تشيني نفسه وصدرت يوم 12 شباط 2005 وفلسفت معنى القوة واستخدامها عند تضارب المصالح. انهيار هذه البنى بدأ من البنتاغون، حيث كانت (ثورة الضباط) أو ما يسميها ديفيد أغناتيوس من الواشنطن بوست (تمرد جنرالات الجيش الموجودين في مختلف الأجهزة الأمنية). تعتبر هذه الثورة الهادئة سبباً حاسماً لتغيير سياستها في العراق، أكثر مما قد توحي به خطابات بوش حول البقاء في هذا البلد. ويبدو أن بوش قبل بالهزيمة، قبل أن يلحق به الانكسار، فأعلن في خطابه الأسبوعي (لقد حققنا ديمقراطية دستورية في العراق هي الأولى في الشرق الأوسط) بيد أن المراقبين السياسيين قالوا: هذا كلام للاستهلاك المحلي. هذه الديمقراطية، هي التي ستضمن له ولشركات النفط في أمريكا عقوداً طويلة الأجل، كما تضمن لشركاء رامسفيلد في تجارة السلاح عقوداً تسليحية ذات أرقام فلكية. وهذا بحد ذاته تعاقد موجه هدفه استنساخ القول: إن الخطر قادم من الشرق. ولكن أحداً لم يُشر إلى أن إسرائيل هي مصدر الخطر.
Share:

0 comments:

Post a Comment

Telegram

Podcast