Wednesday 11 July 2018

مجانية الخدمة و العدل في الإستخدام

مجانية الخدمة و العدل في الإستخدام

في جوار بيتنا ملعبان مجانيان أنشأتهما البلدية واحد لكرة القدم و الآخر لكرة السلة و الطائرة. منذ فترة حاولت أن أتردد على ملعب السلة لألعب عشرين أو ثلاثين دقيقة يوميا أو يوما بعد الآخر. في البداية كانت الأمور تمشي بشكل جيد لكن فجأة صرت لا أستطيع إيجاد دور لي لألعب. قبل هذه المشكلة كنت آتي إلى الملعب و أسجل اسمي في قوائم كل قائمة تشكل فريقا  من أشخاص لا أعرفهم و لكن جمعتنا  رغبة اللعب و ننتظر دورنا و الذي  ما أن ينتهي دور الفريق الذي قبلنا حتى يحين دورنا و ما أن ينتهي دورنا حتى يأتي دور الفريق الذي يلينا و هكذا. كان متوسط فترة الإنتظار التي أقضيها قبل أن يحين دورنا قرابة الساعة. بعد حدوث المشكلة أصبحت فترة الإنتظار تطول لثلاث ساعات تقريبا. أخذت أبحث عن سبب ما حدث رغبة مني في فهم كيف تحدث المشاكل و كيف تتكون و تتطور. اكتشفت خلال البحث أن المشكلة سببها الأساسي هو مجانية المكان. المجانية جعلت الصديق الجالس في البيت يطلب من صديقه يوميا أن يسجل اسمه و اسم صديق آخر أو أكثر في قائمة الانتظار دون أن يأتي و ينتظر مثلنا و قبل أن يحين دوره بفترة يأتي فيلعب دون انتظار و عندما لا يأتي يحل محله آخرون ينتظرون. هو نوع من الحجز المجاني لكنه المعطل. فالإنسان الذي يدفع لقاء اللعب و لو مبلغا زهيدا لن يأتي يوميا و إن حجز فإنه سيأتي و لا يمكن أن يفرط بماله بعدم قدومه. اكتشفت أيضا أن المكان في زمن معين يوميا يكون محجوزا لأناس معينين يأتون على الوقت   فيستلمون الملعب حتى انقضاء الوقت المخصص لهم ثم يغادرون دون أن يكلفوا أنفسهم عناء أي انتظار. هؤلاء بقدومهم اليومي و في الوقت الذي يريدون يحتلون مساحة قد يستفيد منها آخرون إن كان المكان مدفوعا. فهؤلاء إن كانوا يدفعون مقابل اللعب لن يأتوا يوميا و حتى إن أتوا فسيكون الحجز لا تبعا لما يناسبهم بل تبعا للأولوية.
مشكلة الأمور المجانية أن الناس تستبيحها و لا تحس بقيمتها بل تبخس هذه القيمة لذلك نرى كثيرا من الأمثلة عن إساءة استعمال و تعد على أشياء مجانية توفرها الدولة بأجهزتها المختلفة و هي في الحقيقة خدمات مكلفة. طبعا ليست هذه دعوة لإلغاء خدمات توفر مجانا للناس. فعملية الإلغاء هي كالعقاب الجماعي و الذي يؤخذ الصالح فيه بجريرة الطالح فيظلم المستحق بذنب المسئ. فإلغاء المجانية لا يعني أبدا جعل الناس تدفع ثمن خدمة معينة. فالدفع إحدى وسائل إلغاء المجانية و هي وسيلة بين وسائل عديدة يمكن الأخذ بها. فيمكن إلغاء المجانية ( و الهدف هو جعل الناس يحسون بقيمة المقدم لهم) عن طريق تنظيم الدخول بالحجز المسبق و حسب الأولوية. ففي مثال الملعب يمكن جعل الخدمة خدمة حجز مسبقة يعاقب من يخل بموعد حجزه بالحرمان فترة معينة من استخدام المرفق كونه أخذ دورا و لم يأت فحرم نفسه من الخدمة و حرم غيره. و يمكن أيضا منح الشخص الحق في استخدام المرفق عددا معينا من المرات شهريا و في أوقات متفاوتة فنمنع بهذه الحالة  استئثار فئة بالخدمة و في الوقت الذي يناسبها. طبعا هذا المثال يمكن أن يطور و يمد إلى خدمات أخرى فنحقق العدل في الاستخدام و نجعل الناس يقدرون ما بين أيديهم.

مصطفى حميدو

Share:

0 comments:

Post a Comment

Telegram

Podcast