Friday 23 February 2018

الشاوي الذي حصل على جائزة نوبل

عزيز سنجار، العالم المخضرم الذي نال جائزة نوبل للكيمياء عام 2015. يكاد لا يعرف أحد أنه من أصل عربي سوري، بل وشاوي من سكان الجزيرة السورية.

 

في 1946 كانت الأجزاء المقتطعة من شمال سورية تخضع للتتريك المنظم. أغلب المراكز والتجمعات البشرية الكبيرة دخلت تحت سيطرة الحكومة المركزية في أنقرة، بقيت بعض القرى النائية تقاوم، وتعيش ثقافتها العربية السورية منعزلة عن العالم. في قرية من هذه القرى في مدينة ماردين، التي لا تبعد إلا بضعة كيلومترات شمال الحسكة، ولد الطفل عزيز سنجار كسابع أفراد عائلة من ثمانية أطفال، كانت مبتلاة بالفقر المدقع لدرجة أنها تكاد لا تجد شيئاً لتأكله. وكان الوالد عبد الغني يعمل مزارعاً بسيطاً، أما الوالدة مريم فكانت تؤمن بالعلم وتحرص على تدريس أطفالها رغم أنها هي نفسها كانت أمية. كان عزيز لا يعرف إلا اللغة العربية، وتعلم القراءة والكتابة على يد شقيقه كنان الذي يكبره بخمسة أعوام. كان عالمه كله عبارة عن قريته الجبلية النائية. لكن هذا تغير عندما أتى إلى قريتهم أحد الأتاتوركيين الأوائل، ورأى نباهة هذا الطفل الذي يجري حافياً لأنه لا يجد ما ينتعله، فأدخله وشقيقه المدرسة، التي كانت تدار من قبل ما كان يسمى آنذاك أكاديميات القرى، وهي معاهد إعداد معلمين أسسها مصطفى كمال أتاتورك لتعليم أبناء الأرياف النائية. هكذا بدأت أسطورة عالم الكيمياء عزيز، وشقيقه الجنرال كنان سنجار.

 

فيما يأتي من سطور سنلاحظ أن سنجار اندمج في مجتمعه التركي، وأصبح كذلك صاحب فكر أتاتوركي. أصوله العربية لم تعد في قائمة اهتماماته. قد نجد لهذا أعذاراً كثيرة، وخاصة لمن هو في وضعه، إذ ارتقى بفضل الأتاتوركيين من طفل كان مقدراً له الاستمرار بالعمل الزراعي مثل أبيه وجده وسلالته إلى عالم مختص بترميم الحمض الريبي النووي DNA، وأول من انتقد هندسة الجينات في العالم. لكن هذا لا يمكن إلا أن يثير أسفنا لأننا لا نعلم كم من عزيز آخر في الجزيرة السورية، أو في غيرها من أراضي بلادنا، كان مقدراً له بقليل من العناية أن يبلغ مصافي العظماء.

 

في سن السابعة مارس عزيز هواية كرة القدم، وحتى أن اتحاد الكرة الوطني استدعاه إلى المنتخب الوطني التركي للأشبال كحارس مرمى. لكنه خشي من التجربة، ورفض. وأكمل مسيرته الأكاديمية بدلاً عن هذا. فدخل كلية الطب في جامعة إسطنبول، وتخرج الأول على الكلية عام 1969، ثم مارس المهنة في قريته سافور لعامين. عن هذه المرحلة يقول إنها كانت الأجمل في حياته، إذ أحبه الناس بسبب أخلاقه العالية، وتطبيبه لهم بالمجان، ونجاحه كذلك في شفائهم. حتى أن العجائز كن يعلقن وصفاته الطبية مثل الحرز في أجيادهن. سافر بعدها إلى تكساس في الويات المتحدة الأمريكية لإكمال دراسته العليا في مجال الكيمياء الحيوية. تقول المعلومات إنه عانى من كثير من الصعوبات المادية والمعنوية هنا، حتى أنه عندما عاد إلى تركيا تلقى علاجاً نفسياً ليشفيه من آثار تلك المرحلة. لكنه عاد من جديد إلى الولايات المتحدة بعد استدعاء ستان روبرت، أول من أوجد طريقة ترميم حمض الـDNA. وهنا أيضاً عانى من الفقر لدرجة أنه كان ينام في المختبر الذي يعمل به، ويستحم بأنبوب إطفاء الحريق. فيما بعد انفتح باب المجد له، إذ حصل على منحة دراسية ليكمل تحصيله العالي. وخلال عمله المحموم توصل إلى أول اكتشاف له، حول أنزيم يدعى Fotoliyaz، مما منحه عضوية الأكاديمية العلمية الأمريكية. الأنزيم المذكور كان هاماً لأجل ترميم الـDNA المتضررة، وباكتشافه بات أول من وضع انتقاداً علمياً لهندسة الجينات. في تلك المرحلة تزوج مع زميلته في العمل غوين، ولكن لم يرزقا بأطفال.

 

حصل عام 1977 على الدكتوراه، وعمل في كلية الطب في جامعة يال حتى عام 1982. وكانت أطروحته حول ترميم الـDNA، وكانت أهمية هذا الاختصاص تنبع من دوره الفاعل في العثور على مرض للسرطان. وتابع أعماله في جامعة نورث كارولاينا. له أكثر من 415 مقالة علمية، وكان من النادرين الذين يمكن أن يستخدموا أكثر من ألف مصدر لمقالة واحدة. وفي رحلة له بالطائرة خطر له خاطر عن تقنية لاستخدام مبدأ الساعة البيولوجية في مجال ترميم الـDNA بهدف العثور على دواء للسرطان. تقنيته هذه فتحت له المجال للحصول على جائزة الكيميائي المميز من جمعية الكيميائيين الأمريكيين. تابع عمله ليسجل ستة اكتشافات باسمه في اختصاص في الكيمياء الحيوية وترميم الـDNA، فحصل على العديد من الجوائز المرموقة، وتوّجها عام 2015 بجائزة نوبل للكيمياء بالتشارك مع الأمريكي بأول مودريك والسويسري توماس ليندهال.

 

فور عودته إلى تركيا زار سنجار ضريح أتاتورك، وقدم ميداليته لتعرض في متحف أتاتورك، وألقى كلمة اعتبر نفسه فيها مديناً له بما حقق من إنجازات أكاديمية. وموَّل ما يسمى بـ "البيت التركي" لاحتضان الطلاب الأتراك الراغبين بالدراسة في أمريكا.

 

قد يراه البعض مخطئاً، وقد يجد آخرون له الأعذار فيما يتعلق بخياراته القومية. ولكن بالأساس هذا يعرض أمامنا أهمية معركة العلم والتعليم في بلادنا البائسة المبتلاة بأحط الأعداء وحتى "الأشقاء".

Share:

0 comments:

Post a Comment

Telegram

Podcast