في ٩ إيلول عام ١٩٣٦ وقعت في جميع المدن السورية مظاهرات وإضرابات ضد فرنسا دامت أربعين يومًا، طالب فيها الشعب بالاستقلال وإنهاء الانتداب على سورية.
وقد أذعنت فرنسا لهذه المطالب وعقدت مع سورية في ٩ أيلول عام ١٩٣٦ معاهدة تضمن لها الحرية والاست
قلال والدخول في عصبة الأمم .
نصت هذه المعاهدة في المادة ٣ على نقل جميع الحقوق والواجبات الناجمة عن المعاهدات والاتفاقيات وجميع الاتفاقيات الدولية التي عقدتها الحكومة الفرنسية فيما يخص سورية أو باسمها، إلى الحكومة السورية بعد انتهاء الانتداب عنها. وهذه المادة تضمن لأتراك اللواء في الوقت نفسه حق استعمال لغتهم في التعليم وإدارات الدولة، وإنماء ثقافتهم القومية، على النحو الذي نصت عليه المادة ٧ من اتفاقية أنقرة.
ولكن تركيا رفضت إبقاء لواء الاسكندرون ضمن الدولة السورية، واعتبرت النص الوارد في المعاهدة السورية الفرنسية غير كاف لضمان حقوق الأتراك فيه، وطلبت تحويل هذه المنطقة إلى دولة مستقلة شأن دولتي سورية ولبنان، وإنشاء اتحاد فيدرالي بين الدول الثلاث .
وقد رفضت فرنسا هذا الطلب، استنادًا إلى صك الانتداب الذي يمنع الدولة المنتدبة من التنازل عن أي جزء من الأراضي المنتدبة عليها، دون موافقة عصبة الأمم، وترك لتركيا حق رفع هذه القضية إلى عصبة الأمم، صاحبة الشأن للنظر في تقرير مصير اللواء بعد استقلال سورية .
في ٨ كانون الأول عام ١٩٣٦ أرسلت الحكومة التركية إلى السكرتير العام لعصبة الأمم مذكرة تطلب فيها تسجيل الخلاف بين فرنسا وتركيا على مصير لواء الاسكندرونة بعد استقلال سورية لبحثه في الجلسة القادمة لمجلس العصبة، استنادًا إلى المادة ١١ من ميثاق العصبة، التي تقضي بوجوب اتخاذ المساعي الودية في جميع الظروف التي من شأنها أن تؤثر في العلاقات الدولية .
في ١٠ كانون الأول ١٩٣٦ نظر المجلس في الخلاف التركي-الفرنسي على مصير لواء الاسكندرونة بعد استقلال سورية , وعرضت تركيا اقتراحها بإنشاء دولة مستقلة فيه شأن دولتي سورية ولبنان ، وإنشاء اتحاد فيدرالي بينها.
وقد صرح وزير خارجية تركيا في هذه الجلسة بأن ليس لتركيا أي مطمع سياسي في بسط سيادتها على لواء الاسكندرون، وهي لا تقصد من وراء إثارة هذه القضية سوى حماية حقوق أبناء جنسها والمحافظة على حياتهم وحرياتهم.
في ١٥ كانون الأول عام ١٩٣٦ رد رئيس الوفد الفرنسي على طلب تركيا فقال عن مستقبل أتراك اللواء بعد عقد المعاهدة السورية الفرنسية : « إن مواد هذه المعاهدة لا تؤثر في وضع لواء الاسكندرونة، ولا في حقوق السكان الأتراك لأن ذلك مضمون في اتفاقية أنقرة لعام ١٩٢١ التي أقرتها المعاهدة السورية-الفرنسية » .
كانت الحكومة التركية قد ادعت في المذكرة التي قدمتها إلى مجلس عصبة الأمم، أن الأتراك في اللواء مضطهدون من قبل السلطة المحلية، وطلبت سحب القوات الفرنسية منه . وقد كذب مندوب فرنسا هذا الادعاء، واقترح مقرر المجلس السيد ساندلر إرسال مراقبين دوليين إلى اللواء لمراقبة الحالة فيه . وقد عارض مندوب تركيا هذا الاقتراح. ولكن المجلس وافق عليه بعد أن استنكف المندوب التركي عن التصويت .
في ١٩ كانون الأول ١٩٣٦ عين رئيس المجلس ثلاثة مراقبين أحدهم هولندي، والثاني نرويجي، والثالث سويسري، وطلب إليهم السفر فورًا إلى اللواء للاطلاع على الحالة القائمة فيه .
في ٢٨ كانون الأول ١٩٣٦ وصلت اللجنة إلى أنطاكية وطافت في مختلف المناطق والنواحي، وتعرفت على فئات السكان، واجتمعت مع وجهاء الطوائف، وزعماء الهيئات السياسية والدينية واستمعت إلى مطالبهم، وعبرت كل فئة عن أمانيها ورغباتها .
في ١٢ كانون الثاني ١٩٣٧ قام عرب أنطاكية والقرى المجاورة بمسيرة شعبية أمام اللجنة الدولية، مشى فيها ما ينوف على الأربعين ألفًا من العرب والأرمن، حملوا فيها الأعلام السورية، واليافطات التي تعبر عن أمانيهم ومطالبهم، بالمحافظة على ارتباط اللواء بالوطن السوري .
في ١٣ كانون الثاني ١٩٣٧ زارت اللجنة مدينة الريحانية، فقام فيها العرب بمظاهرة، شارك فيها أكثر من عشرين ألفًا من عرب سهل العمق، وكانوا يحملون الأعلام السورية ويهتفون لسورية والعروبة .
وكذلك استقبلت اللجنة في مدينة الاسكندرونة وبلدة السويدية وفي جميع القرى العربية، التي زارتها بمظاهرات عبر فيها المواطنون العرب عن تمسكهم بعروبتهم وبوطنهم سورية .
انطباعات لجنة المراقبين الدوليين
عادت اللجنة إلى جنيف وهي تحمل الانطباعات التالية :
١- إن الأتراك لا يشكلون أكثرية السكان في لواء الاسكندرونة.
٢- إن الغالبية العظمى من سكان اللواء، بما فيهم نسبة كبيرة من الأتراك تعارض ضم اللواء
إلى تركيا.
٣ إن الأتراك في اللواء ليسوا مضطهدين من جانب السلطة المحلية ( أرشيف وزارةالخارجية الفرنسية - مجلد ٥ ) .
-------------
أرمن سوريا يتذكرون السفرجلة التركية .. بقلم آرا سوفاليان ص142-143
0 comments:
Post a Comment