Tuesday 30 March 2021

الإنفجار ‏السكاني ‏في ‏أوروبا ‏ ‏

كنت دائما أقرأ في كتب التاريخ أن القارة الأوروبية كانت قارة مكتظة و هذا الاكتظاظ كان سببا رئيسيا لانطلاق الحروب الصليبية و حتى الحركات الكشفية و الاستعمارية الواسعة. بالصدفة شاهدت مقطع فيديو عن غزو هتلر لبولندا من وكالة pathe البريطانية و هي وكالة إخبارية مصورة كانت تنشط بشكل كبير قبل انتشار التلفزيون و تعتمد على السينما في نشر أخبارها و تقاريرها. المعلق الذي كان يقرأ الخبر بشكل مشابه لقارئي التقارير الإخبارية حاليا قال بأن هتلر قد غزا دولة مسالمة يبلغ عدد سكانها 34 مليون نسمة.
في البداية لم استوعب ما قاله عن عدد سكان بولندا في ذلك الوقت أي في العام 1939. ظننت للوهلة الأولى بأن هناك مشكلة في سمعي فأعدت المقطع مرتين قبل أن أيقن أن ما سمعته صحيحا فالمذيع قد قال فعلا رقم 34 مليون نسمة لكني ظننت أن ما قاله خطأ و بدأت برحلة بحث كانت نتيجتها بالنسبة لي مذهلة. 
في البداية بدأت بالبحث في غوغل فوصلت إلى حقيقة أن ما قاله المذيع هو صحيح فسكان بولندا كانوا في تلك الفترة حوالي 34 مليون نسمة لكن المفارقة كانت أن العدد الحالي لسكان بولندا يقارب هذا الرقم. لم أكتف بالتأكد من عدد سكان بولندا بل توسعت إلى ألمانيا و إيطاليا و إسبانيا و حتى بريطانيا فوصلت إلى نتيجة أن هذه البلاد كانت مكتظة بالسكان في بدايات القرن العشرين. طبعا هذه الإكتظاظ يقابله قلة في الموارد، فبولندا على سبيل المثال بلاد باردة قليلة الموارد و فقيرة مقارنة بدول كثيرة و هي في هذا العصر تصدر العمالة لكل أوروبا لشغل الوظائف البسيطة قليلة المردود فكيف كان وضع الناس و حالتهم الاقتصادية في ذلك الوقت الذي لم تكن المجالات الاقتصادية من نقل و تجارة متطورة و لم يكن القطاع الزراعي قادرا على انتاج الكميات التي ينتجها حاليا؟ 
في الحقيقة نحن نتكلم عن قارة مكتظة تضيق بناسها و لا تستطيع أن توفر لهم ما يكفيهم و هذا السبب هو سبب رئيسي في الحركات الاستعمارية و حتى في الحرب العالمية الأولى و الثانية. فاكتظاظ القارة أطلق تنافسا قويا بين قواها الكبرى للتوسع خارجيا و حتى في التحارب للسيطرة على المستعمرات في إفريقيا و آسيا و هو ما نتج عنه الحرب العالمية الأولى و الثانية. 
المشكلة أن هذا الانفجار السكاني في أوروبا قابله في تلك الفترة قلة في السكان في العالم العربي و تركيا و إيران. فتركيا لم يكن يتجاوز عدد سكانها ال17 مليونا و كذلك مصر أما سورية فكانت تقارب المليونين و نصف. نحن هنا أمام قلة سكان في منطقة مليئة بالثروات في مقابل انفجار سكاني كبير في الجارة أوروبا القليلة الموارد و الباردة و الرطبة. السؤال الذي طرحته على نفسي كان ما هو السبب الرئيسي لهذا التفاوت؟ القصة بسيطة جدا و هو تنظيم العلاقات بين النساء و الرجال و اقصد هنا العلاقات الجنسية و نسب الأولاد. لم يكن تحريم الزنا في الإسلام عملية اعتباطية، فللتحريم أسباب عديدة متعلقة بتوازن الحياة و علاقة الإنسان مع محيطه و علاقته بالموارد المتاحة. فتنظيم العملية الجنسية ضمن إطار الزواج جعل عملية التكاثر البشري منضبطة ضمن قوانين لا تجعل من هذا التكاثر يهدد توزان الحياة و توازن الطبيعة فلا يكون التكاثر الغير منضبط خطرا على الحياة نفسها في الأرض. فأوروبا التي شهدت هذه التكاثر الخطر عليها و على جيرانها كانت تعيش ضمن  تفلت في العلاقات الجنسية أدى لهذا الانفجار السكاني الكبير و لاحقا إلى حروب و حركات استعمارية قتلت الملايين.

مصطفى حميدو
Share:

0 comments:

Post a Comment

Telegram

Podcast