Wednesday 3 January 2018

أزمة إيران الحقيقية

يبرز اليوم موضوع التظاهرات في إيران كمادة أساسية في كل وسائل الإعلام العربية خصوصا تلك المملوكة من دول تناهض سياسة إيران في المنطقة و كذلك أيضا في وسائل الإعلام المحسوبة على السياسة الأمريكية في العالم. تلعب وسائل الإعلام هذه دورا تحريضيا  لدفع التظاهرات نحو مستوى تشابه الثورات الملونة في أوروبا الشرقية و تقارب في طريقة تطورها ما سمي بثورات الربيع العربي. كان الإعلام هذا هو الصوت الأول الذي عبر عن سياسات هذه الدول تجاه ما يحصل في إيران تبعتها مواقف سياسية محرضة على هذه التظاهرات خصوصا من قبل البيت الأبيض و الرئيس الأمريكي ترامب و كل المؤسسات الأمريكية و حلفائها عبر العالم.
لم يظهر حتى هذه اللحظة نقاش علمي عن أسباب ما يجري. فرغم صغر المظاهرات الواضح و الذي لم يصل لزخم مظاهرات ٢٠٠٩ إلا أن محاولات تضخيمها يشي بأن ما يحدث كله خارجي المنشأ و أن التحريض هو السبب الرئيسي لما يحصل. قد يمكن قبول هذه الخلاصة في حال فقط سمعنا لأصوات الخارج الداعمة لما يحصل و عدم السماع للصوت الداخلي الوازن دوما في أي حدث. فمهما كان تأثير الخارج كبيرا يبقى الفعل الأساسي هو للداخل. فدون فعل الداخل يبقى أي صوت في الخارج صوتا في الفضاء لا ترجمة له عمليا على الأرض.
مثل كل الدول في الشرق الأوسط تعاني إيران من الفساد بنوعه الأكثر سوء و هو اختلاط السلطة بالتجارة. هذا الفساد حقيقة هو سبب كل ما نراه. فلا يمكن لأي تحريض خارجي أن يبنى من دون أساس. ما شهدته إيران خلا السنة الماضية من إفلاس لجامعي الأموال دون أي تدخل من الدولة جعل الناس يصلون إلى منطقة أصبحت فيها السلطة متهمة بالتواطؤ بل و المشاركة في نهب أموال الناس عبر جامعي الأموال. في كل دول الشرق الأوسط تحول الحكام  و بطانتهم إلى تجار فأصبحت القوانين تفصل لهم و التراخيص الاقتصادية تناط بقلة قليلة هي السلطة و هي التجارة. كل شعارات المقاومة و التصدي للإستكبار التي ترفعها إيران و كل حلفها في المنطقة لم يجعلها تغادر منطقة حب السلطة و ما تجلبها من مكاسب و حياة رغيدة مع أن منطق ما ترفعه من شعارات يتناقض كليا مع نموذج الإقتصاد الذي تسير به. فهذا النموذج يزيد من كره الناس للسلطة غير مهتمين بالجانب الذي يمكن أن يكون جيدا منها و هو المقاومة. فالأساس هي معيشة الناس و متى ما تضررت لسبب داخلي غير متعلق "بمقارعة الإستكبار" تصبح كل الأشياء الجيدة سيئة بل و يلقى عليها اللوم في سوء الحال.
مشكلة السلطة هي المشكلة المزمنة. فلا دفاع عن الأوطان و الجبهة في الداخل مهزوزة و قلة تستحوذ على كل شئ و ضباط أنيط بهم حماية البلاد تراهم متفرغين للتجارة و الإحتكارات.
الجانب المحلي الإقتصادي هو  مفتاح فهم كل ما يحدث من دونه لا خارج يؤثر و لا تحريض يدفع الناس إلى الشوارع.

مصطفى حميدو

Share:

0 comments:

Post a Comment

Telegram

Podcast