Sunday 21 January 2018

الطريقة الرفاعية و الإرث العائلي

الطريقة الرفاعية و الإرث العائلي

أول مشهد أراه و يتعلق بالطريقة الرفاعية التي تتوارثها العائلة منذ مؤسسها الأول السيد أحمد الرفاعي الحسيني كان عندما عاد خال أبي من الحج. في ذلك اليوم خرجت "النوبة" من الزاوية الرفاعية في القرية إلى الطريق القادم من حلب جنوبها قاطعة القرية من الشمال إلى الجنوب. كانت "النوبة" عبارة عن أعلام خضراء منقوش عليها عبارات دينية و دفوف و حملة الأعلام مع حملة الدفوف كانوا ينشدون أناشيد دينية. كان يتقدم الكل شيخ الزاوية الرفاعية في القرية آنذاك  الشيخ عثمان حج عثمان رحمه الله (بعد وفاته لم يرث الزاوية أحد و بقيت مهجورة حتى تهدمت). كنت في ذلك الوقت صغيرا، لم أفهم معنى ما أرى و لا خلفيته التاريخية.  الدينية. بعدما كبرت و أخذت أقرأ عن الطرق الصوفية، أدركت أن ما رأيته هو إرث عائلي متوارث و أن العائلة تتوارث الطريقة الرفاعية جيلا بعد الآخر. هذه الحادثة كانت تقريبا في نهاية ثمانينات القرن العشرين و  لم أذكر أني قد رأيت "النوبة" هذه مرة أخرى لكن مما قاله كل كبار السن في القرية أنها كانت أمرا معتادا في استقبال الحجيج في القدم في القرية.
تمر السنون و أبدأ في حضور الموالد خصوصا تلك التي تقام في ذكرى المولد النبوي الشريف. تقريبا بعد عشر سنوات من الحادثة الأولى كانت تجربتي الأولى مع الموالد التي تقام في ذكرى المولد النبوي.
عرفت في يوم المولد النبوي أن احتفالا سيقام في مسجد التوبة في القرية و هو مسجد للعائلة هي من بنته و هي من تصرف عليه و فيه قبور لأحد أجدادنا و فردين من العائلة. عندما بدأت التكبيرات في المسجد المقابل لبيتنا جاءت جدتي و طلبت مني أن أذهب و أحضر الإحتفال. كانت تعرف أني غير مغرم بهذه الطقوس، إلا أن إصرارها جعلني اذهب بداية لأتذوق حلوى جوز الهند الطازجة الساخنة و لأرضي فضولا بدأ  يتشكل عندي من كلام جدتي عن جمال المولد الذي سيقام إحتفالا بالمولد النبوي.
ذهبت فعلا و أخذت من حلوى جوز الهند الساخنة و من ثم دخلت إلى قاعة المسجد. كانت الصفوف منتظمة و المشايخ يتلون الورود و الصلوات و ينشدون المدائح النبوية كعادتهم في الموالد. كان الصوت الجماعي لإنشادهم يجعل للمكان هيبة فوق هيبته تتسرب من خلاله لداخلك طاقة عجيبة تجعل النفس منتشية و الروح سعيدة. يبدو أن هذا الإنتشاء وصل لذروته فأطفئت الأنوار و بدأ الصفوف تتمايل يمنة و يسرى تخرج منها كلمة واحدة متكررة بموسيقى ثابتة " الله.. الله.. الله". ظلت الصفوف هكذا لفترة ثم أعيدت الأنوار و انتهى المولد.
لم أكن أعرف و أنا في ذاك العمر الصغير أن ما رأيته هي إحدى طقوس الطريقة الرفاعية المتوارثة في عائلتنا منذ ٨٠٠ سنة. كلما كنت أكبر كنت أفهم تجذر هذه الطريقة في حياتنا و حياة العائلة حتى أنها كانت تشكل ركنا أساسيا في العلاقات بين أهل القرية و خصوصا بين أفراد عائلتنا.

مصطفى حميدو

Share:

0 comments:

Post a Comment

Telegram

Podcast