Thursday 11 January 2018

ثقافة الإستعارات و التعميم

أقارن في أحيان كثيرة بين كتابات العرب الصحفية و الأدبية و حتى كتابات السيرة الذاتية و بين تلك التي يكتبها غيرنا و أصل دوما لنفس النتيجة و هي أننا شعب مجبول بالخوف.
فكل ما نكتبه يعتمد على التلميح و الإشارات و الإستعارات دون أن نصرح بدقة عما نريده و عمن نقصده. إذا ذهبت إلى الصحافة الغربية مثلا تجدهم يتكلمون عن الأحداث مع ذكر الأشخاص بأسمائهم الصريحة و الأمكنة بأسمائها دون أن يعتمدوا على التلميح و "التبعيض" أي أن يقولوا إن البعض يقوم بهذا الشئ أو ذاك دون أن يقولوا بصراحة من هو.
نحن شعب نخاف و في دواخلنا خشية من كل شئ. لا أعرف بالضبط السبب و لكن بالتأكيد أنه سبب مرتبط بتراكمات إجتماعية و دينية و تاريخية جعلتنا على الدوام متحفظين من التصريح مكتفين بالتلميح.
يصف العرب الذكي بأنه ذاك اللماح الذي يكتفي بالإشارة ليعرف و يفهم المقصود و يبدو أنهم حتى في كتاباتهم يطبقون ذلك. فالعرب ملوك التأويل، و التأويل يحتاج لإشارة أو معنى مبهما  غير واضح. فاللغة العربية مليئة بالكنايات و الإستعارات و أساس بلاغتها هي هذه الإستعارات و الكنايات. أوجد العرب مذاهب دينية كاملة مبنية على التأويل و المعنى الباطني للنص معتمدين على علم الكلام و المنطق و الفلسفة. هذا بالضبط ما ورثه الكتاب المعاصرون. فتجدهم يهربون من التصريح إلى المعاني المضمرة التي تحتاج إلى خبير ليفك معانيها. قد تكون عدم الرغبة بالإصطدام بالسلطات السياسية و الدينية و الإجتماعية هي السبب في اتباع هذا الأسلوب. فسطوة هذه السلطات يمكن أن تحول حياة أي شخص لجحيم. فنقدم الحاكم تراه يرمز بنقد حاشية غير معرفة بصريح العبارة بل إنهم يلجؤون إلى تجهيل هذه الحاشية كمن يريد أن يضيع التهمة بين جمع كبير في تشابه مع مثل عربي شهير و هو " إضاعة الدم بين القبائل".
ما ينطبق على الحاكم ينجر إلى كل السلطات التي تفرزها الحياة. فالتصريح خطر على حياة من يقول و الترميز و التجهيل هو نجاة من سطوة لا يحتملها أغلب الناس. فالصحف العربية مثلا لا تحتوي على نصوص تنقد شخصا أو تتهم جهة، بل إ كل الموجود هو تعميم في النقد و تعميم في الإتهام. إنه الخوف. قد تكون طبيعة طرق التدريس تلعب دورا مهما في صياغة عقلية الناس و عقلية من يكتب. فالتاريخ مثلا عندما يدرس في الغرب، يدرس بطريقة النقد و التمحيص لا بالحفظ و التقديس. إنهم يشرحون نصوصهم و تاريخهم و ينقدونه و في نفس الوقت يعتزون به. هي فروق في الثقافات و العقليات و طرق التدريس و التعليم.

مصطفى حميدو

Share:

0 comments:

Post a Comment

Telegram

Podcast