الكاتب: محمد باقر شري
المصدر: الديار
ما هو الضرر في ان يقول رئيس بلد صديق، بأن فلسطين هي مهوى افئدة ابناء شعبه، وهو يرى في القدس جزءا مقدساً من عقيدته، وبأن الكيان الصهيوني العنصري الذي انشئ عليها، لا تؤهله تصرفات قادته وغالبية شعبه الارهابية الابادية لأن «ينغرز» في قلب منطقة جرّ عليها الدمار والمذابح والفوضى وعدم الاستقرار، وهو موغل في سياسات عدوانية مسلحة بمئات القنابل النووية، وهو يهدد بها مئات الملايين من البشر على امتداد السنوات الاخيرة الماضية، بل ينذر بتدمير مفاعلات ومنشئات نووية سلمية لبلد آخر، لمجرد «تخوفه» من ان تستخدم هذه الميليشيات لصنع سلاح نووي في ذلك البلد، في حين لم يثبت حتى الآن حتى لدى المديرية الدولية لمراقبة شؤون الطاقة النووية، بأنها تُستخدم لغير الاغراض السلمية.وعندما ألقى نجاد رئيس ايران كلمته في ندوة ينظمها طلاب بعنوان «عالم بلا صهيونية» كان يحلم فيها مجرد حلم، بأن يغدو العالم دون عنصرية صهيونية من وحي ما سبق ان قررته الامم المتحدة نفسها، من اعتبار «الصهيونية نوعاً من انواع العنصرية او مساواة الصهيونية بالعنصرية» فقامت قيامة الادارة الاميركية وتبعتها الدول الأوروبية التي شاركتها في شجب التصريحات «النجّادية»: وسواء لو بقيت الامم المتحدة على قرارها، او تراجعت عنه بعد سنوات من اقراره تحت ضغط ونفوذ الولايات المتحدة، رغم ان ما يزيد عن مائة دولة صوّتت بالموافقة عليه، فان ما لا تستطيع الولايات المتحدة (حاضنة اسرائيل) التي تتصرف وكأنها هي الحاضنة للولايات المتحدة رغم حجمها الميكروسكوبي بالنسبة اليها، فان «سابقة» قرار الامم المتحدة باعتبار الصهيونية مساوية للعنصرية، كان على الدول العربية ان تتسلح به لأن التراجع عنه بعد سنوات من اقراره في ظروف انتخابية رئاسية اميركية كان يخوض الرئيس بوش الوالد غماره، واضطر تحت تأثير قوى الضغط الصهيونية ان يضع ثقله بناء للمساومات الانتخابية، من اجل حمل الامم المتحدة على الغاء هذا القرار، علماً ان مجرد الغاء هذا القرار كان عملا غير شرعي ومخالف حتى لميثاق الامم المتحدة، الذي تدوس عليه الولايات المتحدة كلما كان الامر يتعلق باسرائيل.وصحيح ان صراحة محمود احمدي نجاد رئيس ايران الذي صوت الشعب الايراني لانتخابيه بأغلبية ساحقة، والمدعوم من كل مؤسسات الدولة وفي طليعتها القيادات العليا الروحية والسياسية و العسكرية، لم تذهب هباء لانها حققت اغراضها في «احداث الصدمة» الضرورية لايقاظ العالم على بعض الحقائق الكبرى المنسية المتعلقة بأصل وجود الكيان الصهيوني الغاصب والتي لها ثقلها لانها صادرة من رئيس بلد يملك مقومات دفاعية لا يستهان بها ويقف مع طرحه شعب متراص حوله وحولها، ولكن الملفت والذي يبعث على الاسى والاسف، ان هذا الموقف، الذي يفيد حتى الحكومات العربية الرسمية التي فاوضت وتفاوض اسرائيل بحيث يجعلها في موقف تفاوضي اقوى، لان ما ذكّر به الرئيس الدكتور محمود نجاد يسهم في اضعاف دعاوى المفاوضين الاسرائيليين، ناهيك عما في هذا الطرح الواضح من تبديد لعقدة الخوف والشعور بالتهافت والانهيار الأدبي المعنوي العربي امام العالم، فلم يحظ كلام نجاد ولو بكلمة ثناء او شكر من اي مسؤول رسمي عربي، ليس تضامنا مع ايران، بل تضامنا مع نفسه ومع قضية العرب الاولى فلسطين، ولكن عزاء نجاد، ان كلامه قد اراح ضمائر العرب، وعبرت جماهير الشعب الفلسطيني بجميع اطيافها عن شعورها بأن ما صرّح ويصرّح به نجاد - دون خوف او وجل - انما يعبر عن ضمير كل مواطن فلسطيني.وقد يحلو لبعض «سكان» المقاهي والارصفة في العواصم العربية ان يتفلسفوا واصفين تصريحات نجاد بالتهور، وبأنها تذكرهم بتصريحات المرحوم احمد الشقيري عندما قال: انه سيلقي اسرائيل بالبحر، وينسى او يتناسى هؤلاء ان المآخذ على احمد الشعيري ليس فقط انه استعمل مثل هذا التعبير الدونكيشوتي بل لأنه عنذما ينذر يجب ان يستند الى قوة دفاعية يمتلكها وليس ان يقول كلاما فارغا، علما ان تعبير الالقاء في البحر لا يمكن مقارنته بكلام نجاد الذي قال: ان من بين الخيارات المطروحة لحل المشكلة الفلسطينية ليس القاء اسرائيل بالبحر، بل ان يعود الوافدون الى فلسطين من شتى بلدان العالم وينتمون الى مختلف الجنسيات، من حيث اتوا، وخاصة تلك البلدان الاوروبية التي تندب ما اصاب اليهود على يد النازية بل على ضوء «عقدة الذنب» الاوروبية بشكل عام تجاه اليهود، فليأخذوا هؤلاء الذين اغتصبوا ارض وممتلكات غيرهم وشردوا اصحابها او قتلوهم بدعوى ان هذه الارض كانت ارضهم في وقت مضى منذ مئات السنين، ويزعمون انهم يريدون «العودة اليها»، على اساس «حق العودة» بينما لا يحق للفلسطينيين الذين شردوا من ارضهم وممتلكاتهم ان يعودوا اليها رغم انه لم يمض على تشريدهم منها نصف قرن ونيف، ثم ان نجاد نفسه قدّم ما سبق ان طرحه رئيس الجمهورية السابق الدكتور محمد خاتمي الذي زار لبنان منذ اسابيع، وهو اجراء استفتاء لسكان فلسطين المشردين والقاطنين واليهود المتحدرين من الذين كانوا على ارض فلسطين قبل الغزو الاستيطاني لكي يختاروا شكل الدولة التي يتعايشون فيها.وفي الوقت الذي لا يجرؤ معظم القادة العرب على التفوه بكلمة واحدة من هذا النوع، مدّعين ان من «الحكمة» ان يقفوا موقف المتفرج، علماً ان سكوتهم سببه الشعور بالاستلاب والشعور بالعجز امام قوى الهيمنة والنفوذ الاجنبي.نرى في هذا الوقت بالذات ان شيمون بيريز الذي كان قد اطلق عليه في اسراذيل لقب «ابو التسلح النووي الاسرائيلي»، لا يكتفي فقط «بانجازاته» على صعيد توفير «السلاح النووي» لاسراذيل، الذي يشكل اخطر تهديد ضاغط على الارادة العربية، فانه يضيف الى المطالبة بمنع ايران من استكمال منجزاتها النووية السلمية، بل وجوب منع ايران من اقتناء صواريخ بعيدة المدى، لأنه يخشى اذا قوبلت تهديدات اسرائيل بأي سلاح رادع اذا ما فكرت بالعدوان، حتى ولو لم يكن سلاحا نووياً، لانه يريد ان لا تكون لأية دولة رافضة للأمر الواقع الصهيوني في فلسطين، اية قدرة دفاعية، حتى ولو ان اسرائيل نفسها كانت تعترف بأن ايران لا تستطيع - حتى لو ارادت - ان تنتج سلاحاً نووياً قبل عدة سنوات.. اما الآن فانها تسعى لايهام العالم بأن الخطر يداهمها، وبأنها ستكون مضطرة للقيام بضربة للمنشئات النووية الايرانية وحتى ضرب الاسلحة التقليدية الايرانية وما توصلت اليه ايران من قدرات دفاعية اخرى، وان كان «الاستراتيجيون الاسرائيليون والاميركيون على السواء» اخذوا يفضلون - من اجل سلامة اسرائيل - ان تأتي الضربة للمنشئات الايرانية من غير اسرائيل، وان من الافضل ان تقوم بها اميركا التي تحتل العراق القريب جغرافيا من ايران، او ان تشترك الدول الاوروبية مع اميركا. اما اجبار ايران على التخلي عن تطوير مشاريعها النووية - حتى ولو ظلت سلمية - (لأن تقدم ايران بحد ذاته حتى ولو اقتصر على صعيد التكنولوجيا النووية السلمية)، تراه اسرائيل مؤذيا لها، لأنها تريد ان تمنع حتى التقدم التقني السلمي لاية دولة في المنطقة سواها! فلقد أدخلت اسرائيل في روع المجتمع الدولي، بأنها هي وحدها في الشرق الاوسط المؤهلة للتقدم الحضاري والتكنولوجي، وهي تعتبر حتى قنابلها ورؤوسها النووية «منجزات حضارية» تنفرد بها، اما اذا امتلك الاخرون في المنطقة تقنيات نووية سلمية، فانها تكون «منجزات» غير حضارية وخطيرة ومخيفة.. واي محاولة لتطوير حتى الاسلحة التقليدية في اية دولة مخالفة لاسرائيل نعتبر خطرا يهدد السلام، باعتبار ان الدول العربية او الاسلامية هي «دول ارهابية» .ونحن نعرف ان اسرائيل قد ضربت مفاعل تموز النووي العراقي، رغم ان نظام صدام كان يومذاك في حرب مع الثورة الاسلامية في ايران، وكان بذلك يخدم الهدف المشترك بينه وبين الاميركيين المتمثل بضرب تلك الثورة ومحاربتها بالتنسيق والدعم من معظم الانظمة العربية، لان اسرائيل لا تريد لدولة غيرها في الشرق الاوسط ان تملك سلاحاً نوويا رادعاً او حتى سلاحاً دفاعياً متقدماً حتى لو كان غير نووي، فرغم ان صدام كان في ذلك الوقت منسقا مع اميركا ومتفقا معها في حربه ضد ايران، فان اسرائيل لم «ترحم» المفاعل النووي العراقي الذي كان يمكن ان ينتج في المستقبل سلاحا نوويا.فهل يلام محمود نجاد اذا تمنى ولو مجرد تمنيات لو ازيح الكابوس العنصري عن صدر الشرق الاوسط والذي جلب معه المآسي والمظالم.أفلا يحق للانسان ان يتمنى زوال ظالمية او ابعادهم عنه وعودتهم من حيث اتوا او ذهابهم الى جوار من يدّعون الغيرة عليهم، ومن يتكلمون نيابة عنهم، في حين لو صح انهم ظلموا، فان ظالميهم النازيين - بناء لادعاءاتهم - هم انفسهم وليسوا العرب ولا المسلمين ولا الافريقيين او الاسويين بل ان ظالميهم هم من «الاوروبيين المتحضرين»، سواء كانوا الاوروبيين المقيمين في اوروبا او الاوروبيين الذين غادروا اوروبا الى اميركا، والذين كانوا منذ اقل من خمسين سنة يكتبون على مداخل مصانعهم وحدائقهم في اميركا: «ممنوع دخول الكلاب واليهود» وهم يحاولون التكفير عن معاملتهم السيئة لليهود بمساعدتهم على ظلم الفلسطينيين والعرب.. علما ان سبب مساواتهم لهم بالكلاب - وهو امر عنصري مستنكر عند العرب والمسلمين - مهما كانت اخطاء اليهود، فهو ان الافكار والعقائد ا لتي تحملها طوائف من اليهود، تعتبر ان الحياة قد خلقت من اجلهم، واما الآخرون من غير اليهود - وخاصة العرب - فهم في معتقدهم ليس لهم حق الحياة والوجود، ومن ينكر ذلك، فليعد الى تصريحات الحاخام عبادي رئيس حزب شاس الذي كان ممثلاً بـ19 نائبا في الكنيست و3 وزراء في الحكومة والذي صرّح اكثر من مرة، دون ان تثور في وجهه ضجة عالمية، بأن «الله - نستغفر الله - قد اخطأ عندما خلق العرب» اي انه ينكر حتى حقهم في ان يولدوا وان اللوم يقع على الخالق - وهو منتهى الكفر بالذات العليا وهو يجسد الحقد الذي ينكر على مئات الملايين من البشر حق الوجود على قيد الحياة، بل يوجه اللوم الى الله لانه خلقهم! فلا ينبس اي ساكن في البيت الابيض ببنت شفة ولو بكلمة عتب او لوم توجه لهذا المخلوق العجيب.. والذي يعكس وجهات النظر الحقيقية للاغلبية الساحقة من الاسرائيليين حكومة وشعباً... بينما ينبري الرئيس بوش ليعلن بأن تصريحات نجاد هي تصريحات «شائنة» رغم انه لم يقل مثلاً انه سيضرب المنشئات النووية الاسرائيلية، في حين يقول شارون انه سيضرب المنشئات السلمية النووية الايرانية ويقول رديفه شيمون بيريز أنه يجب ضرب حتى الأسلحة الدفاعية الايرانية، فلا يعتبر بوش تلك التصريحات شائنة، لأن بوش يشاركه الرأي. واما شيراك الذي اصبح منذ اقناعه المجموعة الاوروبية باعتبار المقاومة الفلسطينية ارهاباً وتبنيه كل المطالب الاسرائيلية عبر القرار 1559 ضد المقاومة الفلسطينية، فانه «ينذر» ايران، حتى قبل تصريحات نجاد بالويل والثبور ونقل ملفها النووي الى مجلس الامن لفرض العقوبات عليها واتخاذ تدابير ضدها قبل ان يسبقه بلير بتصريحات تحريضية ضد ايران، حتى عندما كان خاتمي رئيسا للجمهورية.ولعل اخف تصريح اوروبي صدر تعليقا على تصريحات نجاد - رغم ما ينسب للمستشارة الالمانية الجديدة، من محاباة لأميركا، بعد التصريح الذي صدر عنها ثم عن وزير خارجيتها والذي قال فيه: ان ما قاله نجاد هو «غير مقبول»، ذلك لأن الالمان يعرفون ان حكاية المحرقة قد ابتزتهم بها اسرائيل وهي تواصل ابتزازها لهم وللرأي العام العالمي كله استنادا لروايات هي من صنعها وتأليفها، وان كان النازي قد صنفوا غالبية اليهود الالمان تصنيفا عرقيا كما صنفوا العرب ايضا تصنيفا عرقيا، ولكن العرب لم يبتزوا الالمان او يتقاضوا ثمن هذا التصنيف، ونجاد ليس مع تصنيف هتلر لليهود، ولكنه يريد ان يلزم الاوروبيين مما الزموا به انفسهم.. عندما يقول بصدقية السيناريو الصهيوني لرواية المحرقة، فهو يطلب منهم ان «يكفّروا» عن سيئات النازي ومظالمه التي يقول الاوروبيون انه قد الحقها باليهود، وان يكون التكفير من جانب الاوروبيين وليس من جانب العرب وعلى حسابهم عبر الغاء وجود شعب فلسطين في وطنه واخراجه من الارض التي تعاقبت اجياله على العيش فيها منذ مئات السنين ولخلق الاضطراب والفوضى وجلب الشقاء والاذلال لمئات الملايين من البشر الذين يعانون من هذا الكيان الصهيوني العنصري المشؤوم، الذي يتلذذ قادته بالمذابح ولا يطيب لهم عيش الا اذا تغذوا بسفك الدماء.. وهناك شرائح واسعة منهم تستسيغ شرب دماء العرب بالفعل، وهناك شهود عيان من عرب فلسطين رأوا بأعينهم ممارسات يهودية لهذا «التقليد الديني» الذي يعتبره الاسرائيليون «امرا واجبا» يتقربون به الى الههم يهوه.. وحتى في حال افتراض ان هؤلاء «الشهود العيان» غير دقيقين، فان ما يتم على الارض من جانب غلاة الصهاينة سواء كانوا قادة او «مواطنين» عاديين او مستوطنين، هو افظع مما يرويه شهود عيان محدودين.. لان ما يشاهده الملايين عبر الفضائيات من ممارسات اسرائيل لا يقل فظاعة عما يرونه الرواة!
0 comments:
Post a Comment