Saturday 11 March 2006

طاولة الحوار محطة للتجاذب بين المصالح الأميركية والسورية

نزار عبد القادر
الديار
11\3\2006

لا تتوافر حتى الان اية تفاصيل موثوقة ودقيقة حول ما دار في جلسات الحوار في ساحة النجمة، ‏واكتفى المشاركون في المؤتمر بالحديث عن الايجابية والطروحات الصريحة التي تقدم بها الافرقاء ‏ممن يقفون على طرفي المقياس سواء بالنسبة لتنفيذ القرار 1559 او بالنسبة للعلاقات مع ‏سوريا. اذا اردنا ان نصدق توافر صفاء النوايا، وصدق لمواقف، وقوة الارادة لدى جميع ‏المشاركين في المؤتمر لانجاح الحوار والتوصل الى تسوية مقبولة لكل المسائل المطروحة، فان تأجيل ‏المؤتمر والذي حصل «قسراً» بعد خروج السيد حسن نصر الله، وفشل الوسطاء في اقناعه بالعودة ‏الى الطاولة، يطرح علامات استفهام كبيرة حول حقيقة مواقف بعض القوى الاساسية في المؤتمر.‏
ما حصل في المؤتمر يؤشر على مدى الاحراج الذي شعر به بعض حلفاء سوريا من المشاركين في ‏المؤتمر من مضمون التصريحات التي ادلى بها رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط في واشنطن، ‏وخصوصا لجهة قوله بانه قد ذهب الى واشنطن لطلب المساعدة الاميركية ضد من «قتلوا والده ‏كمال جنبلاط». وتضمنت المعلومات التي اوردتها وسائل الاعلام اتصالات اجراها جنبلاط مع عبد ‏الحليم خدام، مما يعني بالنسبة لمن عرفوا بتحالفهم مع سوريا بان احد الفرقاء الاساسيين ‏على طاولة الحوار قد يقدّم مسألة تدهور العلاقات بينه وبين سوريا، والتي بلغت حد العداء ‏المستفحل على اولوية التوافق مع القوى اللبنانية المجتمعة في ساحة النجمة لاستيعاب ‏تداعيات الازمة السياسية ببعديها الداخلي والاقليمي، وخصوصا المطلب بضرورة فتح صفحة ‏جديدة في العلاقات اللبنانية ــ السورية، والذي يعول على تحقيقه اصدقاء سوريا كثمن لا ‏بد من التمسك به مقابل تنازلات يمكن ان يقدموها في مسائل سياسية داخلية كإقرار مبدأ ‏المطالبة باستقالة الرئيس لحود او لجهة القبول بمرشحين بدلاء عن العماد ميشال عون. ‏
لا يمكن ان ينكر اي طرف حق وليد جنبلاط في اتخاذ ما يختاره من مواقف سياسية سواء في موضوع ‏مزارع شبعا او المقاومة او في موضوع علاقته مع سوريا. ولكن يبقى التحفظ على ما قاله في ‏واشنطن جائزا اذا ما ربطناه بالزمن وبالظروف وبالجغرافيا. سبق لجنبلاط ان حضر افتتاح ‏المؤتمر قبل مغادرته الى واشنطن، وهو يدرك بالتالي القواعد التي اتفق عليها المتحاورون ‏لجهة عدم نقل المواقف التي تصدر عن مختلف القوى في جلسات الحوار، وايضا الردود التي يمكن ان ‏تواجه بها وذلك حرصا على عدم تحويل ما يجري بحثه من مسائل هامة ومعقدة الى مادة جذابة ‏للمزايدات السياسية عبر وسائل الاعلام.‏
جاءت هذه التصريحات «المثيرة» حول سلاح المقاومة وقضية مزارع شبعا وكأنها تعريض لمواقف حزب ‏الله تجاه قواعده وتجاه حلفائه خارج الحدود، خصوصا بعدما قرر الالتزام «اخلاقيا» بالقواعد ‏التي اتفق عليها لجهة عدم الادلاء بأية معلومات عن ما يجري على طاولة الحوار او لجهة اعلان ‏مواقف من المسائل المطروحة للحوار، وتأكيدا ما يعود لمستقبل سلاح المقاومة او لمزارع ‏شبعا، صحيح انه سبق للسيد جنبلاط ان حدد مواقفه من هاتين المسألتين في اوقات سابقة ‏للمؤتمر، ولكن زمن طرحها وتحديدا من واشنطن وبهذه الحدة قد استدعى القيام برد فعل ‏احتجاجي محدود من قبل الامين العام لحزب الله، وكانت الحكمة باستيعاب خطر تفجير المؤتمر ‏بالدعوة لتأجيل الحوار حتى يوم الاثنين المقبل، اي لحين عودة جنبلاط الى مقعده على الطاولة.‏
يمكن تفهم ايضا مدى الاحراج الذي تشعر به قيادة حزب الله وحلفاؤها بسبب اطلاق هذه ‏التصريحات من واشنطن، مما يؤشر بالنسبة لهم دخول واشنطن على خط ما يدور في المؤتمر من ‏جهة، واستقواء جنبلاط بالاميركيين من اجل تدعيم موقفه السياسي على طاولة الحوار من جهة ‏ثانية. وبالفعل فقد ذهبت كتلة الوفاء للمقاومة الى اتهام جنبلاط بمحاولة تعقيد الازمة، ‏ووضع «العصي في دواليب الحوار ان لم نقل تعطيله» وطالبت الكتلة الجميع «باقفال جميع ‏منافذ التدخل الخارجي ومواصلة الحوار بايجابية ومسؤولية وطنية».‏
السؤال المطروح الآن: هل انقسم المتحاورون فعليا الى معسكرين:‏
الاول: متحالف مع سوريا وايران يشارك في الحوار بشروطه المحلية حول موضوع المقاومة وسلاحها ‏وحول شخصية الرئيس الجديد، كمدخل لاستعادة النفوذ السوري الى لبنان. والثاني متحالف مع ‏اميركا وفرنسا يقدم على الحوار مع اجندة تنفيذ القرار 1559، والقرار 1636 من اجل ‏تصفية النفوذ السوري في لبنان من خلال استهداف حلفاء سوريا، بما في ذلك المظلة التي ‏يؤمنها وجود رئيس جمهورية معروف بتحالفه مع دمشق.‏
هناك قراءات سياسية محلية ودولية تؤكد على وجود مثل هذا الانقسام، ولكن هناك حرص من ‏قبل بعض الافرقاء السياسيين من المشاركين في الحوار، وعلى عدم التفجير وانكشاف اللعبة بشكل ‏مبكر، لان ذلك لن يكون في مصلحة اي من الفريقين. يعتبر الفريق الاول ان تفجير المؤتمر ‏وانكشاف الادوار سيؤدي الى تعريض سوريا لمزيد من الضغوط الدولية، خصوصا خلال هذه الفترة ‏التي بدأ فيها المحقق الدولي برامرتز بتحضير تقريره حول التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس ‏الحريري تمهيدا لرفعه الى مجلس الامن في 15 اذار الجاري. ويرى الفريق الثاني مصلحة في ‏استكمال الحوار لعله يستطيع ان يخرج من عنق الزجاجة الذي ادخل نفسه اليها من خلال ‏الاصرار على استقالة الرئيس لحود في القريب العاجل، وذلك من خلال بت هذه المسألة كخطوة ‏تسهل انطلاق مبادرة عربية تفتح باب الحوار الفعلي لبحث مستقبل العلاقات مع سوريا.‏
تشكل سوريا النقطة المحورية بالنسبة للطرفين. يحرص الفريق الاول على الحفاظ على دورها في ‏لبنان كجزء اساسي من المعادلة الاقليمية، وذلك كمقدمة لاستعادة موقعها الدولي من خلال ما ‏تبذله من جهود ديبلوماسية على المستويين الدولي والعربي، ومنذ ان عيّن وليد المعلم كوزير ‏للخارجية، ويسعى الفريق الثاني، الى استكمال المواجهة مع سوريا على المستويين الداخلي ‏والدولي، وان مواقف رئيس اللقاء الديموقراطي تعبّر عن وجود مثل هذا التوجه وذلك بالرغم ‏من التكتم الذي يلف مواقف الفرقاء الاخرين داخل هذا المعسكر، ولا بد ان يأتي وقت تظهر ‏فيه حقيقة الموقف الجامع، على ضوء مضمون التقريرين الجديدين اللذين ينتظر ان يرفعهما ‏كل من برامرتز وتيري رود لارسن.‏
ان المؤشر الاساسي على امكانية انتهاء مؤتمر الحوار دون نتائج حاسمة وعلى امكانية تأخير ‏انطلاقة اية مبادرة عربية قد صدر من واشنطن، وهو اخطر من كل ما صرح به وليد جنبلاط، ‏وذلك من خلال اتهام الادارة الاميركية للبنك التجاري السوري بالمشاركة بتمويل عمليات ‏ارهابية، وحظر التعامل معه من قبل جميع المصارف الاميركية.‏
وهذا ما يطرح السؤال: هل يمكن الربط بين المواقف التي اطلقها جنبلاط من واشنطن والقرار ‏الاميركي بحظر التعامل المالي مع الدولة السورية، كمقدمة لجولة من التصعيد وممارسة المزيد ‏من الضغوط على دمشق انطلاقا من مضمون تقرير برامرتز وامكانية اتهامه لسوريا بعدم ‏التعاون مع التحقيق مما يفتح الباب امام الولايات المتحدة للضغط على مجلس الامن لتطبيق ‏الفصل السابع وفق نصوص القرار الدولي الأخير بشأن التحقيق؟
ان كل الاحتمالات ما زالت مفتوحة ولا بد من انتظار خلاصة التقرير.‏
Share:

0 comments:

Post a Comment

Telegram

Podcast