محمد باقر شري
الديار
5/3/2006
في كلام للرئيس السنيورة - قبل الطاولة المستديرة - تساءل: «أليس من العجيب ان لا يكون لسوريا في لبنان غير صديق واحد بعد ثلاثين سنة من الدور الذي مارسته في لبنان»؟ وهو كلام يتسم بطابع الموعظة السياسية، وكأن الرئيس السنيورة قد تبوأ منصباً «سقراطيا» يمكن ان تتعظ به الاجيال!
طبعا كان المقصود «بالصديق الواحد او الوحيد لسوريا»، الرئيس اميل لحود. وفي هذا الكلام الذي ينضح «بالحكمة والكهانة» نوع من المغالطة التي تستغبي الرأي العام.. اذ حتى لو جاريناه في اعتبار لحود هو «الصديق الوحيد» لسوريا، فاننا نضيف على ذلك قولنا بأن هذا «الصديق» هو الآن ممنوع من ممارسة صداقته لسوريا: فلقد وصل النجاح في «تخريب العلاقات» بين البلدين الشقيقين - من جانب الذين استمرت حملتهم المسعورة على سوريا عدة سنوات ولما تنته بــعد بل تزداد تصاعدا بسبب اصرارها على القول بحق المقاومة في مقارعة الاحتلال سواء كانت مقاومة لبنانية او فلسطينية او عراقية (غير تكفيرية) درجة ان رئيس لبنان الذي يلتقي معها في طروحاتها، لو فكر من اجل انقاذ سفينة العلاقات من الغرق، ان يرفع سماعة الهاتف ليسأل عن صحة انسان في سوريا على اي مستوى، فانه يعرف ان خطه مراقب من عدة اجهزة مخابـرات تبدأ «بالمخابرات الديموقراطية الجديدة» التي وصلت ديموقراطيتها درجة اعتذار «سبعها» (الوزير السابق حسن السبع) عن الاستمرار في منصبه بسبب تضارب التوجيهات و«الاوامر» التي كانت توجّه اليه، ففضل ان يستقيل من «النظام الامني الجديد» الذي كان يرأسه، لأن الامور لم تعد تطاق في نظره «وكان جزاؤه جزاء سنمار» ولكي لا يظن من لا يعرف قـصة سنمار اننا عندما نذكر هذا الاسم كأننا «بدأنا نحكي فرنساوي» او اننا نتحدث عن رجل «سكسوني». فاننا نلخص قصته بأن الرجل الذي «هندس» بناء قصر الخورنق للملك النعمان وكأننا من حيث «الترف التكنولوجي» - اذا صح التعبير - لكي يظهر «اعجازه» للملك من ناحية هندسية، ان جعل مصير القصر كله مرتبطا بقرميدة واحدة اذا سحبت من مكانها ينهار القصر كله، وبدلاً من ان يمنحه الملك «وساما او جائزة» القى به من على سطح القصر الذي بناه.. فكان ذلك مــنتهى العقوق وقـــلة الوفاء، وقد برر الملك «فعلته» هذه، بأنه لو عرف احد «بسر» هذه القرميدة، فانه يجعل القصر ينهدم على رأس الملك اذا اراد به السوء! علماً انه لو كانت لهذا المهندس نوايا سيئة تجاه الملك عبر هذا «الانجاز»، لما كان قد افصح له عن سر هذه القرميدة. ورغم ان الملك كان يستطيع ان يحتفظ «بسر القرميدة» ولا يعرف هذا السر احد غيره وغير صانعها، فقد خشي ان يتسرب السر الى الآخرين او ان يستخدمها المهندس ضده في يوم من الايام..
وهذا يذكّرنا بواقعة حدثت في عهد حكم صدام عندما كان اللواء احمد حسن البكر رئيسا للجمهورية.. فقد عين على اجهزة الأمن شخصا يدعى ناظم جزار وهو وان كان الجيم في اسمه يلفط مسكّنا، الا انه كان في تصرفاته اقرب الى ان يكون «جزَّاراً بالفعل» (مع فتحة على الجيم وتشديد الزين) فقد وصل به الامر - كما يروي الرواة وقائع عنه تقرب من الاساطير، وان كانت اساطير رجال الامن في ذلك العهد تطبق على ارض الواقع - درجة انه كان يذهب الى المعتقلين في سجن ابو غريب او في «قصر النهاية» الذي كان سابقا قصر الرحاب الملكي، فيأمر بقطع «اوردتهم» وعندما تسيل الدماء يجد لذة في ان يشرب من دمهم! وهو نفسه الذي استغل رحلة قام بها «نائب الرئيس» صدام حسين في ذلك الوقت، ليدبر «انقلابا» خلال وجود البكر و«اركان الدولة» في المطار، ويعتقل الجميع او يقوم باعدامهم، وقد استطاع بعض اعوان جزار ان يخطفوا وزير الدفاع حماد شهاب ويقتلوه في «مكان ما» خارج بغداد!
طبعا سوف ينبري مَن يقول: كيف يمكن ان تقارن بين نظام شمولي استبدادي كالنظام الذي كان قائما في العراق على صــعيد المظالم الامنية، وبين اجهزة الامن الجديدة في لبنان، التي تمت اعادة تأهيلها على اسس ديموقراطية؟ والجواب لا يحتاج الى كبير حهد، يكفي ان نذكّر بتشابه طبيعة هذه الاجهزة سواء كانت في نظام ديموقراطي او نظام شمولي، ان نستعرض ما يحدث في سجن ابو غريب اليوم ليس على يد نظام صدام، بل على ايدي الذين اطاحوا بصدام، ولنرى ان فضائح التــعذيب فاقت ما كان يتم فيها على ايدي «رُسل الديموقراطية» الذين جاءوا الى العراق «لتحريره» من الديكتاتورية، فمارسوا في العراق من المظالم والجرائم ما لا يخطر ببال بشر، بل لقد كانت «منجزاتهم» على هذا الصعيد لا تقتصر على التعذيب في السـجون والقصف بالطيران بل واكبت «الفوضى الخلاقة» اعمال التعذيب، بحيث كادت السمعة الديكتاتورية تصبح «سمعة عطرة» لانها لم تكن تشيع «الفوضى البناءة» او تدفع الطوائف الى التذابج، او على الاقل تجري في ظلها هذه المذابح، دون ان يرف لها جفن. وان كان «الحكام الدمى» الذين يتولون المناصب في ظلها، اشد خزياً منها، لأنهم ينظرون الى المجازر اليومية ويمارسون الجلوس في مقاعدهم الفارهة، وكأن الدماء التي تسيل انهارا من بني قومهم، هي «جداول» متفرعة عنه من مياه دجلة والفرات!
ولقد مضى على العراق في بعض فترات الحكم من عهود سابقة مظلمة، ان «رئيس محكمة الشعب» عباس المهداوي كان يخاطب المتهم الماثل امامه وهو يرسف في قيوده قائلا له: «لقد جف الماء في وجهك» وقد اصبح العراق اليوم يتمنى لو يأتي قضاة حقيقيون يقولون لافراد الطبقة الجديدة الحاكمة في ظل الاحتلال: لقد «جف الدم العراقي في شرايينكم» فأصبــحتم ترون شعبكم يذبح وانتم سعداء في مقاعدكم الوثيرة، ولم يجرؤ غير واحد من قيادييكم على ان يحمّل الاحتلال مسؤولية ما يحدث في ارض السواد، التي كانت تجود بالخيرات على اهلها، وبلاد الرافدين التي مياه دجلتها وفراتها لا يضارعهما في احيـــاء «الارض الموات» غير مياه النيل العظيم، وهي المياه التي رسم العدو حلم الوصول اليها واصلا الفرات بالنيل على عَلَمِه الذي تتوسطه «نجمة داود» ولسائل ان يسأل: «هل وصلت الحديث عما يجري حول طاولة مستديرة في وسط بيروت وتحت قبة البرلمان الى ان تتذكر اولئك الذين يجلسون سعداء بلقائهم حول الطاولة المستديرة، الا يكفيهم همومهم، حتى «تذكّرهم» بمجازر العراق وبأقذر فتنة تجري في ظل «لعبة الامم» في العراق الشقيق..
والجواب هو: اننا اذا لم نتعط بما جرى عندنا منذ ما يزيد عن ربع قرن، بحكم مرور الزمن، فان التذكير بما يجري على مســافة قريبة منا، يجعلنا نذهل عن «احلامنا الصغيرة» التي تكاد تطمس «حلمنا الكبير» بانقاذ الوطن الصغير الذي نذبحه بأيدينا ولا نكتفي بذلك، بل ندعو امم الارض لكي تشاركنا الاجهاز عليه، باسم انقاذه، وامامنا فرصة انقاذه بانفسنا .. لأنه ماذا يفيدنا ان نزور رايس وولفويتز.. الذي كنا نصفه «بمهندس الغزو الصهيوني للعراق» ثم نذهب اليه لنقول له حبذا لو أكملت «معروفك» بغزو بلد عربي آخر..!!
في كلام للرئيس السنيورة - قبل الطاولة المستديرة - تساءل: «أليس من العجيب ان لا يكون لسوريا في لبنان غير صديق واحد بعد ثلاثين سنة من الدور الذي مارسته في لبنان»؟ وهو كلام يتسم بطابع الموعظة السياسية، وكأن الرئيس السنيورة قد تبوأ منصباً «سقراطيا» يمكن ان تتعظ به الاجيال!
طبعا كان المقصود «بالصديق الواحد او الوحيد لسوريا»، الرئيس اميل لحود. وفي هذا الكلام الذي ينضح «بالحكمة والكهانة» نوع من المغالطة التي تستغبي الرأي العام.. اذ حتى لو جاريناه في اعتبار لحود هو «الصديق الوحيد» لسوريا، فاننا نضيف على ذلك قولنا بأن هذا «الصديق» هو الآن ممنوع من ممارسة صداقته لسوريا: فلقد وصل النجاح في «تخريب العلاقات» بين البلدين الشقيقين - من جانب الذين استمرت حملتهم المسعورة على سوريا عدة سنوات ولما تنته بــعد بل تزداد تصاعدا بسبب اصرارها على القول بحق المقاومة في مقارعة الاحتلال سواء كانت مقاومة لبنانية او فلسطينية او عراقية (غير تكفيرية) درجة ان رئيس لبنان الذي يلتقي معها في طروحاتها، لو فكر من اجل انقاذ سفينة العلاقات من الغرق، ان يرفع سماعة الهاتف ليسأل عن صحة انسان في سوريا على اي مستوى، فانه يعرف ان خطه مراقب من عدة اجهزة مخابـرات تبدأ «بالمخابرات الديموقراطية الجديدة» التي وصلت ديموقراطيتها درجة اعتذار «سبعها» (الوزير السابق حسن السبع) عن الاستمرار في منصبه بسبب تضارب التوجيهات و«الاوامر» التي كانت توجّه اليه، ففضل ان يستقيل من «النظام الامني الجديد» الذي كان يرأسه، لأن الامور لم تعد تطاق في نظره «وكان جزاؤه جزاء سنمار» ولكي لا يظن من لا يعرف قـصة سنمار اننا عندما نذكر هذا الاسم كأننا «بدأنا نحكي فرنساوي» او اننا نتحدث عن رجل «سكسوني». فاننا نلخص قصته بأن الرجل الذي «هندس» بناء قصر الخورنق للملك النعمان وكأننا من حيث «الترف التكنولوجي» - اذا صح التعبير - لكي يظهر «اعجازه» للملك من ناحية هندسية، ان جعل مصير القصر كله مرتبطا بقرميدة واحدة اذا سحبت من مكانها ينهار القصر كله، وبدلاً من ان يمنحه الملك «وساما او جائزة» القى به من على سطح القصر الذي بناه.. فكان ذلك مــنتهى العقوق وقـــلة الوفاء، وقد برر الملك «فعلته» هذه، بأنه لو عرف احد «بسر» هذه القرميدة، فانه يجعل القصر ينهدم على رأس الملك اذا اراد به السوء! علماً انه لو كانت لهذا المهندس نوايا سيئة تجاه الملك عبر هذا «الانجاز»، لما كان قد افصح له عن سر هذه القرميدة. ورغم ان الملك كان يستطيع ان يحتفظ «بسر القرميدة» ولا يعرف هذا السر احد غيره وغير صانعها، فقد خشي ان يتسرب السر الى الآخرين او ان يستخدمها المهندس ضده في يوم من الايام..
وهذا يذكّرنا بواقعة حدثت في عهد حكم صدام عندما كان اللواء احمد حسن البكر رئيسا للجمهورية.. فقد عين على اجهزة الأمن شخصا يدعى ناظم جزار وهو وان كان الجيم في اسمه يلفط مسكّنا، الا انه كان في تصرفاته اقرب الى ان يكون «جزَّاراً بالفعل» (مع فتحة على الجيم وتشديد الزين) فقد وصل به الامر - كما يروي الرواة وقائع عنه تقرب من الاساطير، وان كانت اساطير رجال الامن في ذلك العهد تطبق على ارض الواقع - درجة انه كان يذهب الى المعتقلين في سجن ابو غريب او في «قصر النهاية» الذي كان سابقا قصر الرحاب الملكي، فيأمر بقطع «اوردتهم» وعندما تسيل الدماء يجد لذة في ان يشرب من دمهم! وهو نفسه الذي استغل رحلة قام بها «نائب الرئيس» صدام حسين في ذلك الوقت، ليدبر «انقلابا» خلال وجود البكر و«اركان الدولة» في المطار، ويعتقل الجميع او يقوم باعدامهم، وقد استطاع بعض اعوان جزار ان يخطفوا وزير الدفاع حماد شهاب ويقتلوه في «مكان ما» خارج بغداد!
طبعا سوف ينبري مَن يقول: كيف يمكن ان تقارن بين نظام شمولي استبدادي كالنظام الذي كان قائما في العراق على صــعيد المظالم الامنية، وبين اجهزة الامن الجديدة في لبنان، التي تمت اعادة تأهيلها على اسس ديموقراطية؟ والجواب لا يحتاج الى كبير حهد، يكفي ان نذكّر بتشابه طبيعة هذه الاجهزة سواء كانت في نظام ديموقراطي او نظام شمولي، ان نستعرض ما يحدث في سجن ابو غريب اليوم ليس على يد نظام صدام، بل على ايدي الذين اطاحوا بصدام، ولنرى ان فضائح التــعذيب فاقت ما كان يتم فيها على ايدي «رُسل الديموقراطية» الذين جاءوا الى العراق «لتحريره» من الديكتاتورية، فمارسوا في العراق من المظالم والجرائم ما لا يخطر ببال بشر، بل لقد كانت «منجزاتهم» على هذا الصعيد لا تقتصر على التعذيب في السـجون والقصف بالطيران بل واكبت «الفوضى الخلاقة» اعمال التعذيب، بحيث كادت السمعة الديكتاتورية تصبح «سمعة عطرة» لانها لم تكن تشيع «الفوضى البناءة» او تدفع الطوائف الى التذابج، او على الاقل تجري في ظلها هذه المذابح، دون ان يرف لها جفن. وان كان «الحكام الدمى» الذين يتولون المناصب في ظلها، اشد خزياً منها، لأنهم ينظرون الى المجازر اليومية ويمارسون الجلوس في مقاعدهم الفارهة، وكأن الدماء التي تسيل انهارا من بني قومهم، هي «جداول» متفرعة عنه من مياه دجلة والفرات!
ولقد مضى على العراق في بعض فترات الحكم من عهود سابقة مظلمة، ان «رئيس محكمة الشعب» عباس المهداوي كان يخاطب المتهم الماثل امامه وهو يرسف في قيوده قائلا له: «لقد جف الماء في وجهك» وقد اصبح العراق اليوم يتمنى لو يأتي قضاة حقيقيون يقولون لافراد الطبقة الجديدة الحاكمة في ظل الاحتلال: لقد «جف الدم العراقي في شرايينكم» فأصبــحتم ترون شعبكم يذبح وانتم سعداء في مقاعدكم الوثيرة، ولم يجرؤ غير واحد من قيادييكم على ان يحمّل الاحتلال مسؤولية ما يحدث في ارض السواد، التي كانت تجود بالخيرات على اهلها، وبلاد الرافدين التي مياه دجلتها وفراتها لا يضارعهما في احيـــاء «الارض الموات» غير مياه النيل العظيم، وهي المياه التي رسم العدو حلم الوصول اليها واصلا الفرات بالنيل على عَلَمِه الذي تتوسطه «نجمة داود» ولسائل ان يسأل: «هل وصلت الحديث عما يجري حول طاولة مستديرة في وسط بيروت وتحت قبة البرلمان الى ان تتذكر اولئك الذين يجلسون سعداء بلقائهم حول الطاولة المستديرة، الا يكفيهم همومهم، حتى «تذكّرهم» بمجازر العراق وبأقذر فتنة تجري في ظل «لعبة الامم» في العراق الشقيق..
والجواب هو: اننا اذا لم نتعط بما جرى عندنا منذ ما يزيد عن ربع قرن، بحكم مرور الزمن، فان التذكير بما يجري على مســافة قريبة منا، يجعلنا نذهل عن «احلامنا الصغيرة» التي تكاد تطمس «حلمنا الكبير» بانقاذ الوطن الصغير الذي نذبحه بأيدينا ولا نكتفي بذلك، بل ندعو امم الارض لكي تشاركنا الاجهاز عليه، باسم انقاذه، وامامنا فرصة انقاذه بانفسنا .. لأنه ماذا يفيدنا ان نزور رايس وولفويتز.. الذي كنا نصفه «بمهندس الغزو الصهيوني للعراق» ثم نذهب اليه لنقول له حبذا لو أكملت «معروفك» بغزو بلد عربي آخر..!!
0 comments:
Post a Comment