Sunday 5 March 2006

رئيس الحكومة اللبنانية و« الصديق الوحيد» لسوريا

محمد باقر شري
الديار
5/3/2006
في كلام للرئيس السنيورة - قبل الطاولة المستديرة - تساءل: «أليس من العجيب ان لا يكون ‏لسوريا في لبنان غير صديق واحد بعد ثلاثين سنة من الدور الذي مارسته في لبنان»؟ وهو كلام ‏يتسم بطابع الموعظة السياسية، وكأن الرئيس السنيورة قد تبوأ منصباً «سقراطيا» يمكن ان ‏تتعظ به الاجيال!‏
طبعا كان المقصود «بالصديق الواحد او الوحيد لسوريا»، الرئيس اميل لحود. وفي هذا الكلام ‏الذي ينضح «بالحكمة والكهانة» نوع من المغالطة التي تستغبي الرأي العام.. اذ حتى لو ‏جاريناه في اعتبار لحود هو «الصديق الوحيد» لسوريا، فاننا نضيف على ذلك قولنا بأن هذا ‏‏«الصديق» هو الآن ممنوع من ممارسة صداقته لسوريا: فلقد وصل النجاح في «تخريب العلاقات» بين ‏البلدين الشقيقين - من جانب الذين استمرت حملتهم المسعورة على سوريا عدة سنوات ولما ‏تنته بــعد بل تزداد تصاعدا بسبب اصرارها على القول بحق المقاومة في مقارعة الاحتلال ‏سواء كانت مقاومة لبنانية او فلسطينية او عراقية (غير تكفيرية) درجة ان رئيس لبنان ‏الذي يلتقي معها في طروحاتها، لو فكر من اجل انقاذ سفينة العلاقات من الغرق، ان يرفع ‏سماعة الهاتف ليسأل عن صحة انسان في سوريا على اي مستوى، فانه يعرف ان خطه مراقب من ‏عدة اجهزة مخابـرات تبدأ «بالمخابرات الديموقراطية الجديدة» التي وصلت ديموقراطيتها درجة ‏اعتذار «سبعها» (الوزير السابق حسن السبع) عن الاستمرار في منصبه بسبب تضارب ‏التوجيهات و«الاوامر» التي كانت توجّه اليه، ففضل ان يستقيل من «النظام الامني الجديد» ‏الذي كان يرأسه، لأن الامور لم تعد تطاق في نظره «وكان جزاؤه جزاء سنمار» ولكي لا يظن من ‏لا يعرف قـصة سنمار اننا عندما نذكر هذا الاسم كأننا «بدأنا نحكي فرنساوي» او اننا ‏نتحدث عن رجل «سكسوني». فاننا نلخص قصته بأن الرجل الذي «هندس» بناء قصر الخورنق ‏للملك النعمان وكأننا من حيث «الترف التكنولوجي» - اذا صح التعبير - لكي يظهر ‏‏«اعجازه» للملك من ناحية هندسية، ان جعل مصير القصر كله مرتبطا بقرميدة واحدة اذا ‏سحبت من مكانها ينهار القصر كله، وبدلاً من ان يمنحه الملك «وساما او جائزة» القى به من ‏على سطح القصر الذي بناه.. فكان ذلك مــنتهى العقوق وقـــلة الوفاء، وقد برر الملك ‏‏«فعلته» هذه، بأنه لو عرف احد «بسر» هذه القرميدة، فانه يجعل القصر ينهدم على رأس ‏الملك اذا اراد به السوء! علماً انه لو كانت لهذا المهندس نوايا سيئة تجاه الملك عبر هذا ‏‏«الانجاز»، لما كان قد افصح له عن سر هذه القرميدة. ورغم ان الملك كان يستطيع ان يحتفظ ‏‏«بسر القرميدة» ولا يعرف هذا السر احد غيره وغير صانعها، فقد خشي ان يتسرب السر الى ‏الآخرين او ان يستخدمها المهندس ضده في يوم من الايام..‏
وهذا يذكّرنا بواقعة حدثت في عهد حكم صدام عندما كان اللواء احمد حسن البكر رئيسا ‏للجمهورية.. فقد عين على اجهزة الأمن شخصا يدعى ناظم جزار وهو وان كان الجيم في اسمه ‏يلفط مسكّنا، الا انه كان في تصرفاته اقرب الى ان يكون «جزَّاراً بالفعل» (مع فتحة على ‏الجيم وتشديد الزين) فقد وصل به الامر - كما يروي الرواة وقائع عنه تقرب من الاساطير، ‏وان كانت اساطير رجال الامن في ذلك العهد تطبق على ارض الواقع - درجة انه كان يذهب الى ‏المعتقلين في سجن ابو غريب او في «قصر النهاية» الذي كان سابقا قصر الرحاب الملكي، فيأمر ‏بقطع «اوردتهم» وعندما تسيل الدماء يجد لذة في ان يشرب من دمهم! وهو نفسه الذي استغل ‏رحلة قام بها «نائب الرئيس» صدام حسين في ذلك الوقت، ليدبر «انقلابا» خلال وجود البكر ‏و«اركان الدولة» في المطار، ويعتقل الجميع او يقوم باعدامهم، وقد استطاع بعض اعوان ‏جزار ان يخطفوا وزير الدفاع حماد شهاب ويقتلوه في «مكان ما» خارج بغداد!‏
طبعا سوف ينبري مَن يقول: كيف يمكن ان تقارن بين نظام شمولي استبدادي كالنظام الذي كان ‏قائما في العراق على صــعيد المظالم الامنية، وبين اجهزة الامن الجديدة في لبنان، التي تمت ‏اعادة تأهيلها على اسس ديموقراطية؟ والجواب لا يحتاج الى كبير حهد، يكفي ان نذكّر بتشابه ‏طبيعة هذه الاجهزة سواء كانت في نظام ديموقراطي او نظام شمولي، ان نستعرض ما يحدث في سجن ‏ابو غريب اليوم ليس على يد نظام صدام، بل على ايدي الذين اطاحوا بصدام، ولنرى ان ‏فضائح التــعذيب فاقت ما كان يتم فيها على ايدي «رُسل الديموقراطية» الذين جاءوا الى ‏العراق «لتحريره» من الديكتاتورية، فمارسوا في العراق من المظالم والجرائم ما لا يخطر ‏ببال بشر، بل لقد كانت «منجزاتهم» على هذا الصعيد لا تقتصر على التعذيب في السـجون ‏والقصف بالطيران بل واكبت «الفوضى الخلاقة» اعمال التعذيب، بحيث كادت السمعة ‏الديكتاتورية تصبح «سمعة عطرة» لانها لم تكن تشيع «الفوضى البناءة» او تدفع الطوائف الى ‏التذابج، او على الاقل تجري في ظلها هذه المذابح، دون ان يرف لها جفن. وان كان «الحكام ‏الدمى» الذين يتولون المناصب في ظلها، اشد خزياً منها، لأنهم ينظرون الى المجازر اليومية ‏ويمارسون الجلوس في مقاعدهم الفارهة، وكأن الدماء التي تسيل انهارا من بني قومهم، هي ‏‏«جداول» متفرعة عنه من مياه دجلة والفرات!‏
ولقد مضى على العراق في بعض فترات الحكم من عهود سابقة مظلمة، ان «رئيس محكمة الشعب» ‏عباس المهداوي كان يخاطب المتهم الماثل امامه وهو يرسف في قيوده قائلا له: «لقد جف الماء في ‏وجهك» وقد اصبح العراق اليوم يتمنى لو يأتي قضاة حقيقيون يقولون لافراد الطبقة الجديدة ‏الحاكمة في ظل الاحتلال: لقد «جف الدم العراقي في شرايينكم» فأصبــحتم ترون شعبكم يذبح ‏وانتم سعداء في مقاعدكم الوثيرة، ولم يجرؤ غير واحد من قيادييكم على ان يحمّل الاحتلال ‏مسؤولية ما يحدث في ارض السواد، التي كانت تجود بالخيرات على اهلها، وبلاد الرافدين التي ‏مياه دجلتها وفراتها لا يضارعهما في احيـــاء «الارض الموات» غير مياه النيل العظيم، وهي ‏المياه التي رسم العدو حلم الوصول اليها واصلا الفرات بالنيل على عَلَمِه الذي تتوسطه ‏‏«نجمة داود» ولسائل ان يسأل: «هل وصلت الحديث عما يجري حول طاولة مستديرة في وسط بيروت ‏وتحت قبة البرلمان الى ان تتذكر اولئك الذين يجلسون سعداء بلقائهم حول الطاولة المستديرة، ‏الا يكفيهم همومهم، حتى «تذكّرهم» بمجازر العراق وبأقذر فتنة تجري في ظل «لعبة الامم» في ‏العراق الشقيق..‏
والجواب هو: اننا اذا لم نتعط بما جرى عندنا منذ ما يزيد عن ربع قرن، بحكم مرور الزمن، ‏فان التذكير بما يجري على مســافة قريبة منا، يجعلنا نذهل عن «احلامنا الصغيرة» التي تكاد ‏تطمس «حلمنا الكبير» بانقاذ الوطن الصغير الذي نذبحه بأيدينا ولا نكتفي بذلك، بل ندعو ‏امم الارض لكي تشاركنا الاجهاز عليه، باسم انقاذه، وامامنا فرصة انقاذه بانفسنا .. ‏لأنه ماذا يفيدنا ان نزور رايس وولفويتز.. الذي كنا نصفه «بمهندس الغزو الصهيوني ‏للعراق» ثم نذهب اليه لنقول له حبذا لو أكملت «معروفك» بغزو بلد عربي آخر..!!‏
Share:

0 comments:

Post a Comment

Telegram

Podcast